والمجتمع كالفرد كلاهما لا غنى له عن الدفاع ضمانا للبقاء، ويم يتخلى الكائن الحي عن مقومات صراعه مع الفناء، تنمحي مظاهر وجوده وتنهدم أسباب حقيقته، فلا عجب إذا كان الجهاد من ألزم ما يلزم المجتمع السليم الذي دعائمه الراسخة حقائق دين الله.
والجهاد يستجيب لدواعي الخلود حين يستخف المجاهدين إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فيها الثواب المدخر، والجزاء المنتظر، لكل من خلص نفسه من مثقلاتها ومعوقاتها، ولن تستقيم دعوة إلى خير وحق إلا إذا اقترنت بالترضية والجزاء الوفاق، والتخويف من المرتع الوخم الذي تتردى فيه الشهوات بأصحاب الرذيلة، وهذا الإعلاء في غريزة القتال هو ما يسميه رسول اللهبالجهاد الأكبر، وما أشقه على النفس.
وتحرير الوطن من الغاصبين من صميم رسالة الجهاد في الإسلام (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف) والتمكين في الأرض مقرون بالعقيدة العلمية والعملية، الدافعة الرافعة معا (ألم تر إلى الملأ من بنى إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله. قال: هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، قالوا: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله، وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا. فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين).
ولقد أعد الله تعالى للشهداء في سبيل الله الجزاء الأوفى. بعد أن اتجروا مع الله وباعوا أنفسهم وأنفقوا في سبيله أموالهم (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي ما بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم).
والحرص على الحياة لا يرتفع بها عما تردت فيه، ولهذا قيل (أحرص على الموت توهب لك الحياة) من غير مبالاة بشيء من هذا الحطام الفاني. كما يقول الشاعر المجاهد في سبيل الله:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله، وإن يشأ ... يبارك على أجزاء شاو ممزع
وهذا عبد الله بن الزبير يتلقى الدرس من أمه أسماء بنت الصديق، وهو في طريقه إلى