قتال الحجاج بن يوسف، فرعون زمانه، إذ دخل ابن الزبير على أمه يوم مقتله، وقد رأى خذلان الناس له فقال لها:
يا أمه، خذلني الناس حتى ولدي وأهلي، فلم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صير ساعة، والقوم يعطونني من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت ذات النطاقين لابنها:
يا بني، أنت والله أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق، وإليه تدعو، فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن رقبتك يتلعب بها غلمان بنى أمية. وإن كنت أردت الدنيا، فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك. وإن قلت: كنت على حق، فلما وهن أصحابه ضعفت، فليس هذا من فعل الأحرار ولا أهل الدين. وكم خلودك في الدنيا؟
. . القتل أحسن
قال عبد الله: إني أخاف إن قتلوني أن يمثلوا بي.
فقالت: يا بني إن الشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها فدنا منها وقبل رأسهما وقال:
هذا والله رأيي والذي قمت به داعيا إلى يومي هذا، مار كنت إلى الدنيا، ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحل حرمه، ولكني أحببت أن أعلم رأيك فزدتني بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أمه، إني مقتول من يومي هذا فلا يشتد حزنك، وسلمى الأمر لله فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ولا عمل بفاحشة ولم يجر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به بل أنكرته، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي. اللهم إني لا أقول هذا تزكية مني لنفسي. أنت أعلم بي ولكن أقوله تعزية لأمي لتسلو عني.
فقالت أمه: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن تقدمتني، وإن تقدمتك ففي نفسي حرج حتى أنظر إلام يصير أمرك.
فقال ابن الزبير: جزاك الله خيرا، فلا تدعى الدعاء لي قبل وبعد.
فقالت: لا أدعه أبدا، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق. اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النجيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبره بأبيه وبي. اللهم قد سلمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين.
وقاتل عبد الله بن الزبير حتى قتل ومعه صفوة من أصحابه، قطعت رءوسهم جميعاً، وبعث