بها إلى الحجاج في المدينة، ونصبت للناس وعبثت بها الأيدي الملوثة.
وفي الجهاد الإسلامي تنطلق النفس من عقال الحياة لتسبح في ملكوت حر فسيح، كما أنها تنبثق من طاقة خصبة هي الحق ولا شيء سواه.
هذا ما يستمسك به الزبير بن العوام وهو في موقعة صفين إذ يقول:
(والله لو هزمونا حتى أوصلونا سغفات هجر، لعرفنا أننا على الحق وأنهم على الباطل) وهذا عمر بن الخطاب، وهو ما يزال حديث عهد بالإسلام، والنبي ما يبرح مستخفيا بدعوته في دار الأرقم فيقول:
يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا؟ فيقول النبي:(بلى، والذي نفسه بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم) فيقول عمر: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق، ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإسلام غير هائب ولا خائف. والذي بعثك بالحق لنخرجن يا رسول الله. لا ينبغي أن تكتم هذا الدين، أظهر دينك، والله لا نعبد الله سراً بعد اليوم.
وخرج الرعيل الأول من المسلمين وعدتهم أربعون في صفين يتقدمها حمزة وعمر، كلاهما متوشح سيفه، والغبار يثور حولهما، وللجمع كديد ككديد الطحين، وهم يطوفون بالكعبة، يرهبون عدو الله وعدوهم، وقد أخزاه الله بعد أن رأى ما رأى، وأصبحت القلة التي على الحق تقرأ القرآن جهرة، وتصلى بالمسجد علنا، وأنف الكثرة في الرغام.
سأل إعرابي رسول الله: إن الرجل يقاتل للذكر، ويقاتل ليحمد، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فأيهم في سبيل الله؟ فيقول عليه السلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
الحق إذن هو الباعث على الجهاد وهو بالتالي غايته ومرماه، أي أنه يدفع بأصحاب الدين إلى الأعلى، ويجذب أصحاب الدنيا من أسفل، لهذا فهو وحدة تامة لا تتوزع ولا تعدد، (فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال) وليس من الجهاد أن نقاتل عن حسب أو نسب أو عصبية، بل ما ارتضاه هذا الدين لأهله من الاتحاد (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص).
من أجل هذا الصف المتسق الملتصق. . حكم رسول الله على (قزمان) بأنه من أهل النار،