للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما قرأت فيه يوماً إلا امتلأت نفسي سموا ورفعة، وأحس كأن قلب الإنسانية يترنم شجي ووجداً، ودمعها يفيض حرقة وكمداً. إنها الرقة في شدة والرأفة في قوة، وما أشبهها إلا بسحر الليلة الصائفة، نسيم عليل والوجود في جلال مشهد جليل عظيم. بل أشبهه بالكون وكل ما فيه من ليل ونهار وأنجم وبحار وحيوان وأطيار، ولن أكون مغالياً إذا قلت: إنه ليس في جميع أجزاء التوراة جزء يعادله قيمة وفضلا وقوة وبلاغة.

محمد النبي:

في هذه البلاد وبين هؤلاء العرب الذين ذكرت لك بعض صفاتهم، ولد محمد (صلى الله عليه وسلم) سنة ٥٧١ ميلادية من قبيلة قريش، أعز القبائل جانباً وأرفعها شأناً، ومن أعرق أسرها نسباً وهي أسرة بني هاشم. وأشتهر محمد بالجمال والعقل والفضل على صغر سنه، وقد أبصرت عين جده الهرمة ابنه عبد الله الذي كان حبيباً إلى قلبه في صورة حفيده محمد فأحبه بملء قلبه، وكان يقول: يحسن العناية بهذا الصبي فإني أرى أنه سيفوق كل أفراد الأسرة والقبيلة فضلا وحسنا؛ وعندما أحس الشيخ بدنو أجله عهد إلى ابنه أبي طالب الذي يعتبر أكبر الأسرة، والذي سيتولى مكان عبد المطلب، وكان رجلا عاقلا، بالعناية بمحمد، والقيام على تربيته أحسن القيام، فكان أبو طالب عند حسن ظن أبيه، فقد أولى الغلام عناية فائقة.

فلما اشتد عود محمد وترعرع، صار يرافق عمه في أسفاره في التجارة، وكان لهذه الأسفار أثر كبير في نفسه وفي حياته، فقد حدث في إحدى رحلاته إلى بلاد الشام، عندما بلغ حوال الخامسة عشر، أن وجد نفسه في عالم ذاخر، إزاء مسألة عظيمة الأهمية جليلة الخطر في نظره، وهي المسيحية التي تحدث عنها أمامه الراهب سرجاس (بحيرا) يوم سكن معه محمد هو وعمه

كان محمد لا يعرف إلا لغته، فلم يكن يراه من أحوال الشام ومشاهدها إلا مزيجاً من أمور لا يفهم لها معنى، غير أنه كان يرى بعينه الثاقبة النافذة، ومكس نظرة على لوح فؤاده أموراً وأشياء كثيرة، رسبت في أعماق ضميره، وإن يكن لم يفهم منها شيئاً، ولكنها بقيت ريثما يفسرها له الزمن وتجلوها الأيام، لتخرج آراء ونظرات نافذة وعقائد راسخة، فكانت هذه الرحلة لمحمد بمثابة فاتحة خير كثير وفوائد عظيمة في عالم الرسالة التي أمر بتبليغها

<<  <  ج:
ص:  >  >>