للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا الشاب هو علي ابن أبي طالب. فسخر القوم منه وانفضوا ضوا ضاحكين، ولكن الأمر لم يكن مما يسخر منه بل كان في غابة الجد والخطر.

لقد كان في عمل محمد، إساءة لقريش، سدنة الكعبة وخدمة الأصنام، فسرى أمره ببطيء شديد لا يشجع أحد ولكنه كان سريان على كل حال.

ودأب محمد يؤدي رسالته إلى كل من يصغي إليه فكان ينتهز مواسم الحج فيذكر دعوته بين الحجيج مدة إقامتهم بمكة ويستميل الاتباع هنا وهناك، وهو في أثناء ذلك يلقى مجاهرة بالشر ومناسبة بالعداء ومنابذة ومناوئة في كل مكان، فاستقر رأيه هو وأصحابه على الهجرة إلى الحبشة. فلما علمت قريش بذلك ساءها الأمر وتضاعف غيظها من محمد وحنقها عليه فأقسمت بآلهتها لتقتلنه بأيديها. وشددوا عليه النكير فلم يستطع تنفيذ خطته، وصار حرجاً في غاية الحرج وخصوصاً بعد زوجته خديجة وعمه أبو طالب اللذان كانا له المعين ونعم النصير، فجعل يختبئ في الكهوف وقومه يطاردونه من مكان إلى مكان، تتوعد المهالك وتتهدده الخلوف، وتغفر له المنايا أفواهها، ويقف محمد يتلفت فلا يجد ناصراً ولا مجيراً، ولكن الأمر الذي جاوبه ذلك الأمر العظيم، لم يكن لينتهي على مثل تلك الحال، ومحمد ذلك الصابر القوي الإرادة الثابت العزيمة، لم يكن ليوهن من عزمه كل ذلك الاضطهاد والمطاردة، ليتوقف عن أداء رسالته.

فلما اشتد أذى الكفار له وحنقهم عليه وكان قد انقضى ثلاث عشرة سنة على دعوته لقومه ووجد أعداءه يتربصون به جميعاً، وقد تجمع منهم أربعون رجلاً يمثلون جميع القبائل، ليقتلوه، عرف أن مقامه بمكة أصبح مستحيلاً، لا يستطيع معه أداء مهمته، هاجر إلى يثرب حيث استجاب لدعوته أهلها الذين سموا بالأنصار وسميت البلدة بالمدينة. أي مدينة محمد.

وكان محمد إذ ذاك قد صار شيخأ كبيراً فقد باع الثالثة والخمسين من عمره، ولكن أهل مكة ما إن علموا بمكانته حتى أخذوا يلاحقونه برسائلهم وغاراتهم وكيدهم وعدائهم، فرأى أنه لا سبيل إلى الحياة ونشر الدعوة إلا إذا امتشق الحسام، الذي يزيل حدة كالحات المحن، فقد كان أمامه سبيل وعر وخطة نكراء وقوم يملأ العناد قلوبهم، فإذا لم يجد من نفسه قوة على مجالدتهم، كان مصير دعوته الزوال، وهكذا شأن كل إنسان في مثل هذه الأحوال. والحق أقول، لقد كان محمد يريد أن ينشر دينه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن مل حيلته إزاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>