للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد كانت النصرانية لا تتوانى في استخدام السيف في كثير من الأحيان، وحسب هؤلاء ما فعله شرلمان بقبائل السكسون، فلا ضير على الحق أن ينتشر سواء كان باللسان أم بالسيف أم بأي نوع من الأنواع، لأن الحقائق يجب أن تنتشر ويظلل سلطانها كل مكان سواء كان ذلك بالخطابة والكتابة أم بالحديد أو النار.

لندع الحق يكافح ويجاهد بالأظافر والأيدي والأرجل، وسنرى بعد ذلك أنه سيخرج من المعركة منتصرا مهما كانت شدتها ومها طال مداها. وأنه سيفنى كل ما هو أحط وأدنأ، إن الحرب بين الحق والباطل حرب لا حكم فيها إلا للطبيعة، ونعم الحكم ما أعدله وما أقسطه. ونحن لا نخشى على الحق الانهزام لأنه أعمق جذورا وأكثر أعراقا في الطبيعة، أو التهريج والجلبة والضوضاء فلا حياة لها ولا مقام أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

لقد قلت إن الحكم بين الحق والباطل للطبيعة وما أقسط وأعدل هذا الحكم بل ما أرأف وأرحم. ألستم ترون إننا نأخذ الحبوب فنجعلها في جوف الأرض وكثيرا ما تكون هذه الحبوب مختطة بالتبن والقمامة والتراب وغير ذلك من الأقذار، إننا نلقى الحبوب بجميع ما يخالطها من القذى والأوشاب في بطن الأرض العادلة الرحيمة، فلا تلبث أن تخرج لنا نباتا نقيا خالصا، أما القذى والأوشاب فإنها تفنيه في باطنها وتطوى كشحا عنه ولا تذكر عنه شيئا. وهذا هو عمل الطبيعة في جميع أحوالها وشئونها فهي حق لا باطل فيه، وهي عادلة رحيمة حنون عظيمة، وهي مع ذلك لا تتطلب من الشيء إلا أن تكون حر المعدن صادق اللباب، وهى كفيلة بحمايته وحراسته.

أما إذا كان دخيلا عليها رديء المعدن فإنها تلفظه وتلقي به إلى الأنواء والأعاصير فلا تلبث أن يندثر ويذهب هباء.

إننا نرى لكل شيء تحتضنه الطبيعة وتحميه روحا من الحق والصدق، فإن شأن الطبيعة مع كل حقيقة كبرى جاءت إلى هذا العالم أو يقدر لها المجيء إليه، شأنها شأن الأرض مع بذور الحبوب، فالحقائق خليط نور وظلام وحق وباطل وصدق وكذب، وهي تأتينا في صور قضايا منطقية ونظريات عملية، ثم لا تلبث أن تختفي وتتغلب النور على الظلام ويظهر الحق على الباطل، فتموت الحقيقة ويفنى جسمها لأنها كائن، ولكن روحها يبقى أبد

<<  <  ج:
ص:  >  >>