المقربين إلى السلطان. . . فهاله أن يقبض على أبيه بغير جريرة، فأنهى الخبر إلى السلطان في سذاجة. .
هنا أتسع الخرق على الراقع، وخرجت المسألة إلى نطاقها الواسع. وضخم أمر الجرم في نظر السلطان، وهاله الأمر، وحز في نفسه أن يجترئ أحد نواب الحكم على اقتراف هذا الجرم. .
جمع السلطان قضاة الشرع الأربعة، وقرعهم تقريعا جارحا وهو يقول: هنيئا لكم يا قضاة الشرع، تعاليتم في البناء وأغرتكم زخارف الدنيا. وأصبحتم وديدنكم الزهو والفخار. ونوابكم منهم من يشرب الخمر، ومن يقترف الزنا، ومن يبيع الوقف، ولا يخشى الله. .
ثم عرض المحضر الذي كتبه القاضي (شمس الدين بن وحيش) وطلب إلى هذا القاضي إبداء رأيه في الموضوع. فحكم بالرجم. . . فوقع هذا الحكم من نفس السلطان موقع الرضا والقبول. وطلب من (ابن وحيش) أن يصدق على هذا الحكم حتى يأمر بتنفيذه. فتوقف (ابن وحيش) عن التصديق، منتظرا أن يجيزه به قاضي قضاة الشافعية. فأجازه القاضي - وهو كمال الدين ابن الطويل - وهيئ الحكم للتنفيذ.
شغل السلطان بعد ذلك بأمر الحجاج وخروج المحمل، فأمر بايداع المجرمين في السجن حتى يتفرغ لهما، ويعذبهما بجرمهما عذابا يكتب في تاريخ عدالته. . هنا بدأ الفصل الثالث من فصول هذه الرواية.
كان (للمشالي) صديق حميم وخل وفي كريم، ومن نواب الشافعية، دفعته الصداقة ومقتضياتها، والزمالة ودواعيها إلى إنقاذ زميله من موت محقق وعقاب منكر، وأخذ يستجدي ذكاءه وحيلته، حتى ابتكر مخرجا شرعيا بارعا، يرجم به هذا الأثيم. . ذلك الصديق هو القاضي شمس الدين الزنكلوني.
ذلك أن الزاني المعترف على نفسه بجد ويرحم. فإذا رجع عن اعترافه قبل الرجم، لا يرجم لقيام شبهة في الجريمة وهى جريمة زنا، والحدود تدرأ بالشبهات.
أوعز (الزنكلوني) إلىصديقة (المشالي) أن يرجع عن اعترافه، فرجع. . . وسطر الزنكلوني سولاً بهذا المعنى يستفتى فيه العلماء في حق الزاني في الرجوع عن اعترافه، وسقوط حده تبعاً لذلك ودار بهذا السؤال على أبوابهم، فأفتى له برهان الدين أبي