للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال وهو ينظر إلي مبتسماً ابتسامة مؤلمة:

- لقد رزقت اليوم فتاة أخرى كنت أنا أشعر من أعماق نفسي بألم من كثرة أولاد هذا الرفيق، أما هو فكان يبكي من فرط تألمه، فحول عينيه عني وأقبل على عمله. أخرج يوماً ساعته من جيبه وفصل عنها سلسلتها الذهبية ولفها بورقة، فقلت في نفسي:

- لن نرى السلسلة الذهبية بعد الآن. إن رفيقي لم يدفع ثمن القهوة في هذا الشهر، وأصبح منذ ذاك اليوم يشربها مرة واحدة في النهار بدلاً من ثلاث مرات. ساءت حال الرجل وأشتد به الضيق، وظهرت ملابسه ملوثة ببقع الحبر، واستحال لونها، وتهلهل نسجها ووهى، فكنت إذا رأيته على هذا الحال رثيت له وبكيت عليه. ولقد دخل علي يوماً وعليه حلة جديدة لم أرها عليه قبلاً، ففرحت لذلك، إلا أن فرحي لم يطل، فقد قال لي غير خجل مني:

- إنها قديمة، ولكني صبغتها فصارت جديدة. وبعد هذا الاعتراف أصبحنا صفيين، وزال ما بيننا من الفتور الذي سببه (الدينار) واتخذني كاتماً لأسراره، يبثني آلامه وأحزانه. لقد سرد علي تدريجاً كل آلامه في الحياة. فذكر لي أولاً مبدأ صلته بزوجته وأساس هيامه بها، وأن ذلك كان في منتزه (كاغدخانه)، وبسبب تلك الأوراق الملونة. . . وأنه كان يأمل أن ينعم بالاقتران بها، إلا أنه لم ينعم بذلك إلا أسبوعاً واحداً وأتى بعد ذلك الشقاء. . .، ثم تجلت بعد ذلك حياة البؤس من اجتماع فقره وفقرها، فكان بينهما نزاع سببه عدم تمكنه من تأدية نفقاتها وطلباتها. . . ثم الأولاد. . .

وعاد إلى زوجته فقال:

- أنها لما رأت نفسها محرومة مما تشتهي من ملبس ومأكل ومشرب أخذت تعامله معاملة قاسية لا تطاق، ولكن ماذا يعمل هو إزاء ذلك، وهاهو لم يلبس بذلة جديدة منذ تزوج حتى الآن، وأن ياقته قد تمزقت فقلبها على قفاها لأنه لا يجد غيرها ولا يستطيع الوصول إليه، على أنه قد عزم على أن يتخذها من مشمع كيلا يتمزق سريعاً، وها أن ولديه الاثنين قد كبرا، وهما في حاجة إلى ثياب وإلى أحذية لا يجدها.

وكان بعد ذلك اليوم الذي نفض فيه جعبته أمامي، يسمعني كل يوم فصلاً من فصول حياته المؤلمة. نظر إلي يوماً وهو يريني قماشاً لأبنته الكبرى وقال:

- سأقول لك شيئاً. ثم عاد وقال:

<<  <  ج:
ص:  >  >>