إلا إني عرفت ما يقصده حينما رأيت دفتره في يده ونظره في تقويم الأوقات، لقد كتب في دفتره: ٨ حزيران ١٣٠٣
فقلت له: - أطفل أيضاً؟
قال: نعم غلام، وقد أصبحوا أربعة.
ثم قال وهو يبتسم: - أنهم لا يخطئون نوبتهم: فتاة ثم غلام، ثم فتاة ثم غلام، وهكذا. .
كان يضحك ولكن كان قلبه يبكي. فقال لي في نفس ذلك اليوم: إن الدخان يؤثر في صدره ويؤذيه، وهو يرغب ي تركه لو يستطيع. أدركت ما يقصده المسكين من ترك الدخان، فتأملت له كثيراً حتى كدت أبكي.
رزق ولداً آخر، فصار الأولاد خمسة، وفي ذلك اليوم خرجت نفسه من يده، فانه ما كان يدخل الدائرة ويجلس إلى منضدته حتى أخرج دفتره وكتب فيه وهو ينشج نشيجاً وهو يفتت الكبد ويصدع القلب: ٥ تموز ١٣٠٤
كانت الخامسة فتاة على الترتيب المعتاد. بعد ذلك بقيت معه ثلاث سنين في الوظيفة رأيته فيها ثلاث مرات يكتب في دفتره، كتب فيه بجانب اسم فتاة وغلامين: ١٤ آب ١٣٠٥، ٨ أيلول ١٣٠٦، ١٤ تشرين الأول ١٣٠٧
كأن الدهر كان يريد مداعبة هذا الرجل الفقير المسكين فهو يقذفه مصراً في كل سنتين بفتاة وغلام. . . لقد خلت محفظته من الأوراق (الملونة) بعد أن كانت تغص بها، ولم يبقى فيها غير دفتر صغير فيه صحيفة كاملة لتواريخ أولاده. بعد أن قيد تاريخ ولادة الولد الثامن. . . ألقى نظرة فاحصة إلى آخرها ثم جاء إلينا وقال:
- تعالوا لأريكم اتفاقاً غريباً. فاجتمعنا حوله فقال:
- اقرأوا من أعلى الصحيفة حتى أسفلها
فقرأنا فإذا فيها: آذار، نيسان، مايس، حزيران، تموز، آب، أيلول، تشرين الأول