فقد جاء الإسلام والنصارى فرق وشيع يقيمون أسواق الجدال، يخطئ كل فريق منهم الآخر بالحجج الجائزة والبراهين المصطنعة الباطلة. فكانوا بهذا يطعنون دينهم بأنفسهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون حبا في شهوة النصر كمن يقال فيهم (يخربون بيوتهم بأيديهم) جاء الإسلام على الملل الباطلة والنحل الكاذبة والعبادات الضالة فسحقها، وحق له أن يسحقها لأنها باطل وهو حقيقة خارجة من قلب الطبيعة الصادقة إن الإسلام ما كاد يظهر حتى زالت وثنيات العرب واختفت من الوجود واحترقت جدليات النصرانية وذهب كل ما لم يكن حقا، وصار حطباً التهمته نار الإسلام فحولته رمادا ذهب والنار لم تذهب على مر العصور.
نظر محمد ببصره النافذ إلى ما وراء معبودات العرب الكاذبة ومذهبهم التي لا تقوم على أساس صحيح، ونظراً إلى اليهود ورواياتهم وبراهينهم ومزاعمهم وقضاياهم وإلى النصرانية وجدلياتها. نظر إلى هذا وغيره بعينه الثاقبة وقلبه البصير الصادق وفكره المتوقد إلى جوهر الأمر وصميمه، فقال في نفسه: ما هذه الأصنام التي تصقل بالزيت وتدهن فيقع عليها الذباب فلا تستطيع رده، إنها خشب مسندة لا تضر ولا تنفع، إنها باطل ومنكر فظيع وإغراق في الكفر بالله خالق الكون ومسيره، ولكن الحق هو الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، الذي خلقنا وهو الذي يحيينا ويميتنا ثم يميتنا ثم يحيينا، ويطعمنا ويسقينا، وهو أرأف بنا منا أنه هو الرؤوف الرحيم، الذي خلق لنا ما في الأرض جميعاً لننتفع به ونشهد على أنه هو الواحد القادر الذي يجب أن يعبد، لا إله غيره.
لقد آمن العرب بالإسلام ودخلوا فيه أفواجاً راغبين غير مكرهين، وإن دينا آمن به أولئك العرب الوثنيون وأمسكوا بقلوبهم وعضوا عليه بنواجذهم لجدير بأن يكون حقاً وأن يصدق به لأنه حق لا مراء فيه.
لقد اشتمل الإسلام على مبادئ عظيمة وقواعد جليلة، وإن الشيء الوحيد الذي يجب على الإنسان أن يلحظه في الإسلام، هو اشتماله على روح الأديان جميعاً، هذه الروح التي تلبس أثواباً مختلفة وتتشكل بأشكال متعددة، ولكنها في الحقيقة شيء واحد.
وباتباع قواعد الإسلام والتمسك بروحه يصبح الإنسان إمامنا كبيراً لهذا المعبد الأكبر (الكون). على الإنسان إذا أراد الهداية، أن يسير على قواعد الخالق تابعاً لقوانينه لا يحاول