وهي في كل هذا تنسخ تأثيرها علينا بطريق التمويه أو الإبهام
والتمويه يشعرك بوجود الشيء ولكن بطريق عرض مظاهر وجوده، وليس بعرضه على حقيقته وواقعيته في الحياة.
وما دمنا أمام المسرح، نعيش في عالم الاستثارة والتمويه، فلن يعلن ارتفاع الستار بعد سدله في نهاية كل فصل من فصول الرواية وظهور الممثلين يحيون المشاهدين، لن يعمل هذا على قطع التعاطف والاندماج بيننا وبين المثلين، لأن هذا وذاك قائم فينا منذ بداية الرواية.
ولو صح هذا المسرح، وأردنا تطبيقه على فن التصوير، لكان علينا أن نعلق اللوحات المصورة في الهواء وبلا إطار، بدعوى أن رؤية الحائط الذي علقت عليه الصورة، وأن مطالعة الإطار الخشبي الذي يحوطها، يقطعان علينا تيار الانفعال الذي يكون قد سرى فينا، إذا اندمجنا بكليتنا فيما أجرته ريشة المصور.
وأعود إلى المسرح فأتساءل من الذي جعل الستار يرتفع بعد هبوطه ودفع بالممثلين إلى مقدمة المسرح يحيون الجمهور؟
أليس هو الجمهور نفسه وقد أخذ يصفق ويهتف مطالبا برؤيتهم؟ ولماذا فعل هذا؟
فعل هذا لأن الممثلين استطاعوا أن يموهوا عليه بتسجيل مظاهر الحياة والوجود للشخصيات التي يلعبونها، لأنهم قدروا أن يؤثروا فيه بأدائهم المتقن، فأعجب بمقدرتهم بعد أن سرت إليه الهزة التي أحسوها وهم متقمصون شخصيات أدوارهم. فعل هذا لأنه، على تأثيره بما رأى، يعلم أنه يشاهد تمثيلا، لا واقع حياة، وإلا لما ألهب يديه بالتصفيق، أننا في الحياة الواقعية لا نصفق لما ننفعل به.
ويسعدني أن أزيد على ما تقدم، أن المسرح في تطوره الأخير ولا سيما بعد أن قامت السينما تنازعه البقاء وتم لها الفوز في أن تنقل الحياة نقلا فوتوغرافيا في أشرطتها، أصبح المسرح يلوذ بمصادره الأولى القائمة على الرمز والإبحاء والتركيز المبالغ فيه، ثم إشعار المشاهد بأن ما يشاهده إنما هو مسرح وليس (الواقع) حتى ينفرد المسرح بطابع لا يستطيع أن ينزعه منه الفن السينمائي.
ففي روسيا - ومنها تأتي أحدث الاتجاهات في الإخراج المسرحي - تجد أعيان المخرجين أمثال (تايروف) و (فاجتنجوف) يعمدون إلى وسائل جديدة في سبيل هذا وإلى القارئ