بقسطاس مستقيم من الفهم والإدراك لما قلنا بأنها مترادفة؛ فتبديل الألفاظ بما يرادفها أو يقاربها في المعنى فيه خطر عظيم على المعنى خصوصاً في النصوص التي لا مستند لفهمها فهما صحيحا سوى الألفاظ. ولا مرية في أن تبديل الكلمات بما يرادفها أو يقاربها في النصوص قد يغير وجه الحكم المستنبط منها، كما أنه قد يبعد بها عن المعنى المراد بعدا شاسعا، لأن المترجم مهما برع وأجاد في نقل المعنى بوضوح ألفاظ من اللغة التي يترجم إليها، تؤدي معنى الألفاظ من اللغة التي يترجم منها فإنه لن يستطيع أن يوفي المعنى حقه بتمامه، بل لا بد أن يخون المعنى بعض الشيء في ناحية من نواحيه. فالمترجم لا يتخلص من الخيانة وإن كانت خيانة اضطرابية غير اختيارية.
ولهذا امتنعت الإصابة والإجادة في ترجمة الشعر من لغة إلى لغة أخرى؛ لأن محاسن الشعر لا تقوم بالمعنى وحده بل بانتقاء ألفاظه وحسن سبكة وانسجام تراكيبه أيضاً، ولا ريب أن محاسن الكلام في كل لغة تختلف كل الاختلاف؛ فالذي يترجم الشعر لا بد له أن يتصرف فيه مراعاة لمحاسن الكلام في اللغة التي يترجم إليها وإلا جاءت الترجمة تافهة وخرج الشعر عن كونه شعرا، وبهذا التصرف الذي لا بد منه يقع البعد بين المترجم منه وبين المترجم إليه.
ولهذا أيضاً امتنعت ترجمة القرآن من العربية إلى غيرها من اللغات، فإن ترجمته مع المحافظة على ما فيه من روعة وطلاوة تكاد تكون مستحيلة. وقد ترجمه الترك في أيامهم الأخيرة عدة ترجمات فلم يفلحوا، بل جاءت ترجماتهم شيئاً مضحكاً. وقد ترجمه إلى لغاتهم أهل أوربا أيضاً؛ وقد ذكرني أحد معارفي ممن يحسنون اللغات الغربية أنه قرأ في إحدى ترجماتهم قوله تعالى (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه وتخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) مترجما بما معناه إن أن كل إنسان في بوم القيامة يكون في ركبته عصفور معلق، وهذا شيء مضحك أيضاً. إن الكلام عن الرواية بالمعنى قد أخرجنا عن الصدد فلنعد إلى ما نحن فيه فنقول:
لا كلام لنا على اختلاف الرواة في عبارة الحديث، لأن المعنى المراد فيها كلها واحد، وإنما نريد أن نتكلم عن المقصود من الحديث فنثبته للقارئ واضحا صريحا، ثم نرى هل ينطبق على ما يقوله الدكتور فائق شاكر ويدعيه.