إن المفهوم بصراحة من الروايات كلها، هو أن الداء أو السم، لا يكون إلا في أحد جناحي الذباب لا في كليها؛ وإن الذباب عند وقوعه في الشراب أو في الطعام يتقي صدمة الوقوع بالجناح الذي فيه الداء، فيغمس ذلك الجناح في الشراب، ويبقى الجناح الآخر فوق غير منغمس، وكأن عبارة إحدى الروايات القائلة بأنه (يقدم السم ويؤخر الشفاء) قد جاءت تفسيراً لعبارة الرواية الأخرى القائلة بأنه (يتقى بجناحه الذي فيه الداء).
وإذا علمنا هذا فقد علمنا لماذا جاء الحديث يأمر بالغمس، ذلك لأن الجناح الذي فيه الداء قد انغمس في الشراب فتلوث الشراب بدائه فإذا انغمس الجناح الآخر بطل حكم الداء الذي حصل من الجناح الأول وسلم الشراب.
هذا هو المعنى الواضح الصريح الذي تؤديه عبارة الحديث في جميع الروايات على اختلافها في التعبير. وبعد هذا فلننظر فيما يقوله الدكتور حفظه الله، ليتبين لنا أين وجه الصواب.
أين محل البكتريوفاج من الذباب؟
نستخلص الجواب على هذا السؤال من كلام الدكتور نفسه فنقول: يدعى الدكتور بأن المراد من الشفاء المذكور في الحديث هو ما اكتشفه العلم في هذا العصر من (البكتريوفاج) التي فسرها بمفترسات الجراثيم، وإذا كان المراد بالشفاء هو هذا فلننظر أين يوجد البكتريوفاج من الذباب؛ أهو في أحد الجناحين أم في كليهما، أم في جسم الذبابة كلها، أم في قناتها الهضمية، أم في ذراعيها ورجليها؟
قال حفظه الله في الفصل التاسع والصفحة (٥٢)(إن الذباب المعروف بذباب البيوت، يقع على البراز، والمواد القذرة، وكل هذه مملوءة بالجراثيم المولدة للأمراض، فاختيار الذباب لها، يدل على أنه يأكل الجراثيم والبكتريوفاج معاً؛ فبأكله الجراثيم اجتمع فيه الداء، وبحصول البكتريوفاج اجتمع فيه الشفاء).
إن المفهوم بصراحة من عبارة الدكتور هذه أن البكتريوفاج يوجد في جسم الذبابة، ولم يخص به عضواً دون آخر، ولما كان الجسم يشمل الجناحين، جاز أن يقال بأنه موجود في الجناحين أيضاً (ولا تنسى أن عبارة الحديث تخص بأحد الجناحين دون الآخر).
ويفهم أيضاً ضمنا من عبارة الدكتور أن البكتريوفاج يوجد في القناة الهضمية من الذبابة