نظر للدور المهم الذي مثله القبشاك في القسم الشرقي من أوربا، والقسم الغربي من آسيا، نرى قبل المضي في الحديث عن هذا القسم، أن نشير إشارة عابرة إلى أهميتهم السياسية في التاريخ.
إن القبشاك هم آخر الجماعات الرحل التي وصلت إلى أوربا من أواسط آسيا، قبل المنغول، بأعداد كبيرة جداً. وحين نتحدث عن أهميتهم السياسية يكفي أن نعرف أن هجرتهم قد شملت مساحات هائلة، امتدت من منابع الأرتشي في سيبريا عبر سهوب الكازاخستان إلى جنوب روسيا حتى مصب نهر الدانوب، وعلى الرغم من أن القبشاك لم يتمكنوا من تكوين وحدة اجتماعية، وعاشوا حتى الغزو المنغولي، قبائل متفرقة، بسبب عددهم الهائل، والمساحة المتسعة التي شملتها هجرتهم، إلا أنهم لعبوا دوراً عظيماً في تاريخ البلدان المجاورة، وبصورة خاصة في خوريزم، وجورجيا، وروسيا، وهنغاريا، وبيزنطيا. ومن الضروري أن نشير إلى أن مصر كانت تستمد مماليكها من منتصف القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر من هؤلاء القبشاك بصورة رئيسية؛ ذلك لأن تجار الرقيق من الإيطاليين، كانوا يجلبون من موانئ شبه جزيرة القرم، الرقيق من القبشاك، ويبيعونه بعد ذلك في ميناء الإسكندرية. وكما هو معروف في التاريخ، أن السلطان بيبرس (توفى سنة ١٢٧٧م) أحد أعاظم المماليك كان من القبشاك، وأخيراً أصبح القبشاك يؤلفون الكثرة المطلقة من سكان عصر المغول الذهبي.
أما المستوى الثقافي لأولئك القبشاك فقد كان يتباين كثيراً؛ إذ كان يعتمد، إلى حد بعيد، على قدر اتصالهم بالبلدان المتمدينة من قريب أو من بعيد ومن المحقق أن أولئك الذين عاشوا مجاورين للخورزم، وعددهم كبير جداً، قد تأثروا بالإسلام تأثراً قوياً عميقاً. والسؤال الذي بقى يدور في خواطرنا في هذه المرحلة، أن نبين المصير الذيالإليه الخزر بعد سقوط دولتهم.
لقد اجتاح القبشاك أراضي مملكة الخزر السابقة، فتلاشى بالتدريج أسمهم من التاريخ، ولم يعد لهم إلا بعض الذكر في المدن. وقلما تمر بدراستنا بفترة تتصل بأراضي مملكة الخزر السابقة؛ ولا نجد ذكر القبشاك يملأها، وإلى جانبهم، بصورة محدودة ذكر الآلان وهم شعب