للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جبروت الإسلام، وسحره، وما أسهب فيه من الدعاية لذلك الدين بين العناصر التركية، يسند إلى حد بعيد الرأي الذي بسطناه في هذا الموضوع عن اعتناق هؤلاء القبشاك الدين الإسلامي ولا يتناقض معه أبداً وقد رأيت أن أقتبس بالحرف الواحد ما ذكره المستشرق العظيم بارنولد عن هذا الموضوع:

قال بارنولد: (إن المعجزة العظيمة للإسلام، إذا ما قورن بالديانات الأخرى، تتركز في أن العالم الإسلامي كان في تلك الفترة، في مستوى رفيع من الطاقة الثقافية، والرخاء الاقتصادي بين الشعوب المتمدنة. وكان هؤلاء الرحل في حاجة مستمرة إلى البضائع المصنوعة في تلك الأقطار المتمدنة. وبصورة خاصة إلى الأقمشة. وكان الاتجار مع هؤلاء الرحل، في الوقت نفسه، عظيم النفع لتلك الشعوب المتحضرة. لكن هذه التجارة كانت ضرورية لهؤلاء الرحل الذين كانوا يطلبونها من الأقطار الغربية المتمدنة، ولما أصبحت البضائع التي يشترونها من البلدان الإسلامية من ضروريات حياتهم تأثروا بالإسلام، لا عن طريق الدين فحسب بل عن طريق الحضارة الرائعة التي كان يتسم بها ذلك الدين. ولم يكن أمامهم غير اعتناق الإسلام ليجعل صلاتهم الروحية والمادية متينة مع تلك البلدان والشعوب الإسلامية.

(ولقد أظهر الإسلام صفة أخرى يمتاز بها عن سائر الديانات المعروفة، أثناء الدعاية له بين الترك؛ ذلك أنه على الرغم من قلة عدد اتباعه بالقياس إلى الديانة البوذية والمسيحية، فإنه يمكن لنفسه في قلوب البشر كدين عام للإنسانية، بأوسع ما تحويه هذه الكلمة من معنى، لأنه لا يقصر نفسه على جماعة أو جنس من بني الإنسان. إن النجاح الذي صادفته الديانات الأخرى كان في بعض الأحيان أكثر مما وصل إليه الإسلام؛ غير أن ذلك النجاح لم يعمر طويلاً. فلقد عرف تاريخ الديانات فيما عرف الديانة المانيكية التي امتد ظلها فوق الأرض وكان لها أتباع ينتشرون من جنوب فرنسا إلى بلاد الصين، غير أن هذا الانتشار لم يكفل لها الحياة فذهبت إلى غير رجعة، ومحيت من سجل الوجود. والديانة البوذية ابتدأت بنشاط عالمي، وراحت تنتشر في بلاد الغرب محمولة على أجنحة دعاية قوية، ولكنها انكمشت على نفسها لتصبح ديانة البلدان الراقدة في شرق آسيا. وقبل انتشار الإسلام كان للنصرانية أتباع بين الترك أنفسهم؛ وفي الوقت الذي أوصدت الأبواب من منغوليا أمام

<<  <  ج:
ص:  >  >>