الرافعي المتوفى سنة ١٣١٢هـ. وقد انتهى تطور البديعيات عند هذا الأخير فبلغ مجموع ما أورده من فنون البديع مائتين وستة ذكرها في مثلها من الأبيات.
ومنهم من تخلص من ريقة التقليد ومضى في ركاب المتحررين، فظهرت آثار التجديد فيما نظمه من بديعيات، ومن هؤلاء حسن حسني الطويراني التركي (١٣١٥هـ) وطه الجزائري (٣١٤١هـ) وأمير الشعراء أحمد شوقي بك المصري (١٣٥١هـ).
وقد كان طريق هؤلاء الشعراء وعراً محاطاً بالصعاب؛ ذلك لأن التحرر من التقليد الموروث لم يكن بالشيء اليسير في الحياة الأدبية، فيصعب على النفس زواله سريعاً. لذلك كان علاجه أمراً صعباً، وكان شأن المتحررين شأن من يسلك طريقاً لا يعرف كنهه أو يحيط بمعالمه، فهو يهتدي تارة ويضل أخرى. ولعلك حين تقرأ قصيدة (نهج البردة) لشوقي بك - وهو آخر هؤلاء المتحررين - تلمس عن كثب مبلغ ما وصل إليه شعراء النهضة من تبلبل بين (المذهب التقليدي القديم) و (المذهب التحرري الحديث). ولعلك وقد أوتيت حظاً من نفاذ الفكر وبسطة من الذوق تلمس - وأنت تقرأ قصيدة نهج البردة - معالم ما وصلت إليه البديعيات من تطور، نلمس كل ذلك من ثنايا هذه القصيدة:
(١) فهو حين يلتزم بحر البسيط وقافية الميم - وهما قدر مشترك في سائر البديعيات - ترى فيه شخصية المقلد الذي لم يستطع أن يتخلص من ربقة التقليد.
(٢) وهو حين يرسل الفنون البديعية بغير قصد ملموس أو تكلف ممقوت يستند عليه في إيرادها ويزمع فيه إلى سردها - تلمس فيه شخصية المتحرر الصادق في تحرره.
هكذا كان ناظمو البديعيات في القرن الرابع عشر، كانوا يسيرون على قدمين من التقليد والتحرر. وقد يبدو لك في ذلك بعض التناقض وليس من التناقض في شئ. وإنما هو مرحلة التطور والانتقال إلى الحديث. كان لا بد للبديعيات من أن تمر بها في عصرنا هذا، حين تم فيه امتزاج العنصر القديم بالعنصر الحديث. فلم يستطع الناظمون بعد أن يتخلصوا من القديم كله، كما لم يستطيعوا أن ينهضوا بكل ما ينبغي عليهم من تحرر. لذلك بقيت معالم التقليد في بحر البسيط وقافيه الميم كما هي - وهي الحدود التي لم يستطع أحد من الشعراء أن يخرج عنها - وظهرت معالم التحرر في طريقة العرض والاختيار وعدم التقليد بسرد معينة من البديع.