كان يدفئ أحضانه. . واستقرت نظراته الملتهبة على تلك الدميمة الجميلة التي ابتدعت على عجل، ولاذت بالحائط ترتعد كريشة في مهب ريح صرصر عاتية. وتمالك واستجمع أشتات أنفاسه. . واقترب منها مترنحاً أشبه بسكير شرب حتى طفح وقد امتدت ذراعاه المتخاذلتان، محاولا أن ينال عنقها، فيزهق روحها الخبيثة. ولكن قواه خانته، وتخلت عنه، فهوى يتلوى من الألم وقد ندت عنه صرخة قهر وكمد.
ودبت الحركة في جسد الفتاة الجامدة. . فاندفعت إلى الأمام تصرخ في صوت مختنق متحشرج، وقد أذهلتها رؤية الدماء. . فتلقفتها ذراعان خارج الحجرة، وعادت بها إلى الداخل. . وارتفع صوت (جلال) يسأل في عجب: ماذا حدث يا. . .؟! بيد أن الكلمات ماتت على شفتيه، واتسعت حدقتاه فزعا وهو يرى صديقه منكفئا على وجهه وقد غاص بين كتفيه خنجر حتى مقبضه. .
وتهافت (سلوى) على الفراش مضعضعة الحواس، خائرة القوى ودفنت وجهها بين راحتيها، وقد شملت بدنها رعدة عنيفة. . وراحت تهذي كالمحمومة:
- لقد قتلته. . أجل قتلته يا أماه. . فلعلك الآن راضية في مثواك الأخير. . كانت رغبتك أن أنتقم لك، وها قد انتقمت. . فأنهضي لترى أي منقلب ذلك الفاسق. . . لقد غرر بك، وتركك تنوئين بعبء العار والفضيحة تسعة عشر عاما، قضيتها في عذاب مر أليم. . . لقد ظلت صورته منطبعة في ذاكرتي من خمس سنين مضت منذ آخر لقاء كان بينكما، حين انهال عليك ضربا في قسوة ووحشية وغادرك، مقسما أنك لو عدت إليه ليقتلنك شر قتلة، ولكنك لم تكوني في حاجة إلى العودة إليه، فقد فاضت روحك في تلك الليلة، وتركني فتاة لم تتجاوز الخامسة عشر بعد. . لا يعرف ذلك العربيد عنها شيئا، ولا يعلم بوجودها. . . فأقسمت أن أنتقم لك منه، ولو كرست حياتي كلها لذلك. . . ولقد فعلت. . . فليرحمني الله. . .!!
وزاد ارتعاد جسدها، وعلا صوت نحيها المؤلم، ونشيجها المكتوم. وانبعث صوت واهن، كأنه آت من أغوار سحيقة، فيه مرارة وفيه تساؤل وعجب:
- سلوى. . . ابنتي
ولكن القضاء لم يمهله، ولم يتريث به ليقول شيئا آخر. . . فسكنت حركته إلى الأبد.