للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يجب أن تنظم هذه الأقطار رابطة وثيقة من الوحدة اللغوية أو الوحدة الأدبية، ولا يمنع ذلك قطرا من هذه الأقطار أن يستقل سياسيا عن سواه. وهكذا نحن نرى رابطة الشعوب البريطانية تعززها رابطة وثيقة من الوحدة اللغوية. وكم نوه قادة هذه الشعوب، وكم أشادوا بذكر هذه الرابطة، لأن في تعزيز هذا النوع من الوحدة ضمانا أكيد لكثير من مصالح الشعوب المذكورة معنوية ومادية، ومدعاة لتعاونها وتضافرها، واتحادها في الملمات.

يروي فيما يروي عن بسمارك بطل الوحدة الألمانية أنه قال: أهم حقيقة يمكن تسجيلها في القرن التاسع عشر هي الوحدة اللغوية بين بريطانيا وأمريكيا. والظاهر أن هذا الداهية الألمانية كان يحسب حساب هذه الوحدة، وخطرها البالغ على الشعوب الألمانية. وقد قال تشرشل منذ أسبوع فقط أي في اليوم السابع عشر من هذا الشهر، وهو يخطب الأمريكيين بواشنطون ما هذا نصه: يجب أن نعمل في القرن العشرين على تحقيق ما قاله بسمارك في القرن التاسع عشر) هذا ما قاله تشرشل وهو يعني تعزيز رابطة اللغة الإنجليزية في بريطانيا وأمريكا. وقد عملت الأمتان - والحق يقال - كل شيء في سبيل تعزيز هذه الرابطة حتى قادها ذلك إلى الظفر الحاسم في الحروب الأخيرة.

إذا أرادت مصر أن يدري صوتها في المجامع الدولية، بل إذا أرادت أن تكون مرهوبة الجانب فعليها أن تستند إلى تعزيز رابطتها معنويا وماديا بشعوب الشرق، غير عابثة أن بهذه النعرات الإقليمية الهدامة، واللهجات المضرة بتلك الجامعة اللغوية.

أدى تشعب اللهجات واضطرابات من ناحية الاختلاف البعيد في المنطق، وفي إخراج الحروف وما يترتب على فساد النطق بها من الانسجام إلى تكون مشكلة من المشكلات الاجتماعية، بيد أن حلها ليس بمعتذر، وهو يتوقف على إزالة هذه الفوارق بين لهجاتنا، وتوحيد النطق والتلفظ، وضبط الكتابة بموجب قواعد عامة توضع لهذا الغرض. وليس ذلك بمستحيل على العاملين المجتهدين. ولنأخذ مثلا كلمة (يصفق) إذ نجدها في اللهجة المصرية: (يسأف)، وهي كلمة مستحيلة اجتمع فيها القلب والإبدال، وما اجتمع الداء أن إلا ليقتلا. وفي سوريا يقولون (يصفأ) بقلب القاف همزة، وفي العراق يقولون (يصفج) تنطق القاف كافا فارسية في العراق. ومثل ذلك في كلمة (أول) التي تلفظ بفتح الواو في العراق، بينما يقال في اللهجة المصرية: (أول) بكسر الواو. وفي كلمة (اضرب) كما تلفظ في

<<  <  ج:
ص:  >  >>