وفي ٢١ أكتوبر انطلقت الأنفاس المحبوسة، واندفعت القاهرة اندفاع الصاعقة، ولم يعد بالديار داع أو مجيب. وتجسمت ثورة القاهرة سخطاً وحنقاً على الغاصبين، واغتيل القائد الفرنسي (ديبوي) واحتمى الثوار بالأزهر بعد أن أقاموا جميع الاستحكامات على المنافذ المؤدية إليه.
وذهل الفرنسيون أمام هذه اللعنة المنصبة عليهم من كل جانب، فأصدر الجنرال بون أمر في ٢٣ أكتوبر (يهدم الجامع الأزهر ليلا إذا أمكن، وترفع الحواجز والبوابات التي كانت تسد الشوارع).
وأطلق الفرنسيون مدافعهم الثقيلة على الثوار، فكانت ضحايا المصريين أكثر من أربعة آلاف حسب تقدير الجنرال (بليار). ولنترك للجبرتي مؤرخ العصر يصف لنا هذا المشد الأليم إذ يقول (ثم دخلوا إلى الجامع الأزهر، وهم راكبون الخيول، وبينهم المشاة كالوعول، وتفرقوا بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهارات، وهشموا خزائن الطلبة، والمجاورين والكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات، ودشتوا الكتب والمصاحف، وعلى الأرض طرحوها، وبأرجلهم ونعالهم داسوها. .).
وفي هذه الغمرة يفتح نابليون صدره العريض لإحدى نوافذ قصر الألفي وما يلبث أن يعود إلى مكتبه فيصدر الأمر الكريم (. . يقطع رءوس جميع المسجونين الذين أخذوا ومعهم الأسلحة، وعليكم إرسال الجثث في هذه الليلة إلى شاطئ النيل فيما بين بولاق ومصر القديمة وإغراقها في النهر).
ولم يكن خافيا على فطنة العلماء أن للمماليك يدا في تحريض الأهالي ضد الفرنسيين مما زاد النار اشتعالا، فأذاعوا البينات في الناس بغية التزام السكينة والتذرع بالصبر (فلا تعلقوا آمالكم بإبراهيم ومراد، وارجعوا إلى مالك الملك وخالق العباد؛ وذهب وفد العلماء إلى نابليون يتشفعون في جلاء خيوله عن الأزهر، فأجابهم إلى طلبهم. ثم أحصى المحرضين على الثورة من العلماء فسرعان ما ألقى القبض عليهم، وعجلان ما حوكموا سرا وأعدموا رميا بالرصاص. وضاعف الفرنسيون من تحصين القاهرة وإقامة المعاقل في