به كاهل الحكومة، هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى كان الجمود شاملاً جميع نواحي الحياة الدينية والأدبية والاجتماعية والسياسية. حكم مطلق في يد ضعيفة مرتعشة، وقوانين ضائع معها العدل، وأنظمة مفقود في ظلها الخير. هال جمال الدين ما رأى وما سمع وهو الذي وقف حياته على محاربة الظلم والجهل، وشق عليه أن تكون مصر وهي قلب العروبة والإسلام النابض مباءة لكل هذه الشرور التي تبيض وتفرخ فتطاير إلى جميع البلاد العربية والإسلامية فتهددها بالخراب والدمار. فصمم وهو القوي الحازم على خوض المعركة ضد ذينك العدوين اللدودين الظلم والجهل. فجرد عليهما لسانا ذريا في مجالسه الخاصة وحلقات تدريسه العامة فالتف حوله شباب العرب من المصريين والسوريين والعراقيين والحجازيين وغيرهم ممن كانوا في مصر لطلب العلم، فأفرغ السيد جمال الدين في نفوسهم ما في نفسه الكبيرة من قوة، ومس أرواحهم بما في روحه العظيمة من حرارة وحماسة، فداروا حوله مستمدين القوة والعون بعد الله منه، وأخذوا يعملون في محاربة الظلم والجهل مع أستاذهم الأكبر وأمامهم الأعظم فجردوا ألسنتهم وأقلامهم في حرب طاحنة تجاوبت أصداؤها أجواء الشرق والغرب وامتد لهيبها إلى أيدي الظالمين فأحرقتها وإلى عقول الجاهلين فصهرت عنها الجمود والخمود. ولكن كيف يكون كل هذا ولا يتحرك في القلوب المريضة حسد له ولا يتململ في النفوس الصغيرة حقد عليه؟ فاتخذ الحاسدون الحاقدون سبيلهم للطعن عليه والنيل منه. وبينما كان الرجل في هذه المعركة من البناء والهدم إذ بالخديوي توفيق يتولى الحكم فيسر جمال الدين به وأنه شعر بأنه قد العهد أكثر قدرة على خدمة مصر من ذي قبل، فأندفع في مقاومة الاستعمار الإنكليزي وما يحوكه هذا الاستعمار من دسائس لمصر، وأطلق ما في نفسه الكبيرة من قوة تأثير على الأفراد والجماعات لدفعها في مقاومة الاستعمار ودسائسه وتحريك الشعب المصري للمطالبة بحقه في حكم نفسه بنفسه بالطرق الدستورية. وقد جره هذا النشاط السياسي الجبار إلى الاصطدام بالحفل الماسوني الاسكتلندي الذي كان منتسبا إليه وعازما على اتخاذه وسيلة لتحقيق أغراضه السياسية النبيلة، فحمل على المحفل حملة شعواء ندد فيها بما ينطوي عليه المحفل من الضعف والخور في خدمة الشعب المصري الخدمة التي تأخذ بيده إلى الحرية والسعادة. وعندنا اعتقد بأن لا فائدة ترجى من إصلاح هذا المحفل انسحب منه وأنشأ محفلا