الناشئ البريء!. . وهنا يغضي كلاهما على حسرة ملحة، وألم صارخ، والأمر بينهما لله وحده.
وهكذا أراد الإنجليز أن يغلفوا قلوبنا بطبقة من القطران الأسود المصنوع من خرافات الهمجية الأولى، وبذلك تموت الروح الدينية. وعقيدة التوحيد في جوانح أبناء الأمة فيشب الواحد منهم كافرا بالله والرسل والأنبياء والملائكة واليوم الآخر، كافرا بالمروءات والمثل العليا ومكارم الأخلاق متأثرا بدروس الكفر البواح التي يتلقاها في مدارس الدولة.
وليت هذا الناشئ المسكين يتعلم هذا الكفر في كتاب واحد أو اثنين، ولكن الدولة القيمة على العقل والروح والبدن تأبى إلا أن تغمر تلميذ السنة الأولى الابتدائية بفيض من الكتب الإنجليزية بعضها رئيسي والبعض الآخر إضافي.
وأذكر أن الوزارة كانت توزع على تلاميذ السنة الثانية سبعة كتب إنجليزية منها ثلاثة للعمل بها في المدرسة، والباقي للاطلاع الخارجي بالمنزل، ويعلم الله أن هذا الاطلاع المزعوم ما كان له من وجود إلا في خيال (ميخائيل وست) ومن يدورون في فلكه من صنائع الاستعمار الثقافي.
والنتيجة الطبيعية أن التلميذ لم يفتح كتب (العفاريت) إلى آخر العام حتى إذا بدأت العطلة صفى حسابه مع هذه الكتب وباعها مقابل عدة أقراص من النعناع والحلوى. وأما الدولة فهي التي دفعت لتجار الكفر وسماسرة الاستعمار دماء الفلاحين ثمنا لبضاعة كلها غش وزيف.
وأساليب الاستعمار - على العهد - بها أعقد من حيل الثعالب وأضيق من شراك الصيد على فريستها، فهي تصيد العقول والقلوب؛ وتمتص الدماء وتستنزف الأموال، وتقتل الأرواح وتشل النشاط وتخدر الأعصاب، وتستأصل الحمية من الأنوف إلى غير ذلك من ضروب النصب والاحتيال.
وليس أدل على ذلك من طريقة الامتحانات المتبعة في مراحل التعليم: ففي المرحلة الابتدائية يسهل على التلميذ اجتياز الامتحان لأن طرق وضع الأسئلة مرسومة محدودة، ويكفي أن يحفظ التلميذ مفرداته المقررة عليه، وأن يعرف كلمات الاستفهام وقواعد الزمن ليكون من الناجحين.