وهذا التسهيل المفتعل ليس إلا خطة موضوعة تتبعها في المرحلة الثانوية أسلاك شائكة وألغام فاتكة: ففي بدئها يرغم التلميذ على كتابة موضوعات إنشائية - ولم يتعلم قبلا تكوين جملة - ويرغم أيضاً على الإجابة على أسئلة الأجرومية المعقدة - وكان محظورا عليه أن يعلم شيئا مطلقا من المصطلحات. فهو يتجرعها في مدى أشهر معدودات وتكثر ضحايا الامتحان في بداية هذه المعركة، وتعود أساليب الاستعمار إلى قواعدها سالمة حسب الخطة المرسومة.
وإذا جاز هذه المرحلة والتحق بالجامعة، فإن صدمة عنيفة تجبهه عندما يحاول متابعة أستاذه في شرحه بهذه اللغة فيسقط في يده ولا يجد ما يستعين به على الدراسة التي تخصص لها إلا بعد مشقة وعناء.
مراحل كلها صخور وأشواك ملقاة في الطريق وعلى الجانبين لتوهم الناشئ بالضعف والغباء، وتقذف في نفسه الرعب والذل والانكسار فتتحطم أعصابه، ويتبلد ذهنه.
وتعمد الوزارة كل سنة إلى تغيير الكتب الإنجليزية التي تدرس فيها طلبة الثقافة والتوجيهية. فما الحكمة من ذلك؟ اللهم أنه ابتزاز أموال الدولة سنويا باسم العلم. وإلا فأي ضرر عقلي أو تربوي إذا استمر تدريس كتاب واحد بعينه لعدة سنوات؟ وهل كتب المطالعة العربية المقررة أساءت إلى عقلية التلميذ لمجرد استمرار تدريسها لسنوات عديدة؟
أراد المستعمرون أن يؤخروا مصر إلى عصر ما قبل التاريخ حيث الهمجية الروحية والفكرية، وهذا هو الوضع الذي جاز على مصر ولم تتنبه إلى خطورته، ولولا بقية من إيمان، وشعاع من عقل (لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا)
وفي إبان الحرب الماضية كان الأساتذة الإنجليز أنفسهم رسل دعاية للاستعمار في مصر، فهذا مستر سكيف رئيس قسم الأدب الإنجليزي يبشر تلامذته من طلبة الآداب بأحسن وأروع ما كتب في هذا الأدب قديمه وحديثه، ذلك هو (خطاب من طيار لأمه) وقد تطوع بترجمته إلى العربية سعادة هيكل باشا ونشره الاتحاد الإنجليزي المصري.
وكان مقررا على طلبة التوجيهية منذ سنوات مقالات عن (مشروع بيفردج) و (التأمين الاجتماعي) و (الخدمات العامة) ولم يتكلف أحد من قادة الفكر وسادة الرأي عناء الاطلاع على ما يدرس للشباب وتبيان مدى ما ترمي إليه هذه الأفكار الوافدة، ولم يعن أحدهم يوما