وقد فند الأستاذ تيمور بك ما يتمسك به اللغويون المحافظون فقال إن اللغة ظاهرة من ظواهر الحياة وقانون من قوانين المجتمع، وهذه الظواهر والقوانين تتبدل وتتطور وفقا لما تقتضي به ضرورات الاجتماع. والصواب في اللغة مناطه الشيوع، فمتى ساغت الكلمة في الأفواه فقد ظفرت بحجتها في الاعتداد بها وأصبح لها في الحياة حق معلوم، وإن غلبة اللفظ في الاستعمال أسطع برهان على صلاحيته وأقوم دليل على صدق الحاجة إليه، بل إن غلبة استعمال اللفظ وثيقة تثبت أنه خلية حية في بنية اللغة خليقة بالتقدير والاعتبار.
ثم عرض للمثل القائل (خطأ مشهور خير من صواب مهجور) فقال: ما أصدق انطباقه على اللغة لولا أنه يسمي المشهور خطأ ويسمي المهجور صوابا، فهذه التسمية لا تصح إلا من باب التجوز والتسمح، فليت شعري - أي خطأ في لفظ شهر، وأي صواب في لفظ هجر؟ سواء على القارئ أو السامع أن تروعه بلفظ عربي نافر لا يجد له في نفسه مدلوله الذي نبغيه منه وأن نفجأه بلفظ أجنبي مغلق ليس بعربي الأصل، فاللفظان عنده سواء في الإبهام.
ولكن على من نعول في توثيق الجديد من الألفاظ؟ يجيب الأستاذ عن هذا قائلا: لسنا بمستطيعين أن نعول في ذلك على جمهورنا الأمي العام خشية أن تذوب الفصحى في محيط اللهجات العامية التي لا ضابط لها ولا نظام , ولكنا نستطيع أن نعول كل التعويل على الجمهور المثقف الخاص الذي تعلم الفصحى وأشرب ذوقها، فهذا الجمهور الضارب في كل علم وفن هو مرآة اللغة المجلوة وقوامها الركين، والويل للغة إن بقيت وقفا على علماء اللغة وفقهائها الذين لا يبيحون لها السير مع الزمن والتجدد مع الأيام. على أن ذلك الجمهور المثقف يتجلى في هذا الفترة من حياة مجتمعنا الحاضر معتزا بالعربية جانحا إلى الإفصاح، مما يدل على أن هنالك وعيا لغويا قويا يجري تياره بين المثقفين جميعا ويبدو أثره في المرافق الاجتماعية على وجه عام.
ثم قال الأستاذ المحاضر: إن أهل صناعة الكتابة هم الذين يحملون القسط الأوفر من أعباء التخالف بين لغة الجمهور العام ولغة الجمهور الخاص ومن أثقال التنازع بين الأصيل والدخيل من الكلام، فالكتابة هي فن الأدب، والأدب هو أرفع مقامات التعبير في اللغة،