لقد رأت في المسكينة شعاعة تخلفت من نهارها، وزهرة بقيت من روضها، فحسبت أن النهار الذي ولى وغربت شمسه يعود، وأن الروض الذي جف وصوح نبته يرجع. وهيهات هيهات! لقد فقد العرب كبرياء العرب، وأضاعوا عزة العرب، وشهامة العرب.
لقد هتفت أسرة عربية في قديم الدهر، باسم ملك العرب المعتصم فنحى الكأس وقد دعا بها ليشربها، ووثب من فوره يجيبها
(أجابها) معلنا بالسيف منصلتا ... ولو (أجاب) بغير السيف لم يجب
حتى اقتحم من أجلها جيش هرقل صاحب البرين والبحرين ونازل الروم من كانوا يوما سادة الأرض، وعاد بالمرأة وعاد بالنصر الذي طبق خبره الأرض، وطاول مجده السماء.
فهل من ينقذ اليوم آلاف النساء، نساء العرب، من سبي أذل الأمم: اليهود؟ هيهات! لقد فقد العرب كبرياء، العرب، وعزة العرب!
وعادت تقول وهي مخفية وجهها خجلا:
إن ترني اليوم ماشية في طريق الفجور، فلقد كنت يوما بعيدة عنه، جاهلة به، وكان لي أبوان شريفان وكانت لي أخت، وكانت. . .
وشهقت شهقة أليمة
. . . فهل يعلم أحد أين هي أختي؟
لقد أراد لي والدي الحياة الماجدة الكريمة - فربياني على الدين والخلق - وعلماني حتى نلت الشهادة المتوسطة، وتهيأت للبكالوريا، وأطلعني أبي على روائع الأدب، وكنوز المعرفة، وكان يرجو لي مستقبلا فكان مستقبلي. . كان. . . كان. . .
وشرقت بدمعها
لقد قتلوا أمي يوم الواقعة، أفتدري كيف قتلوها؟ إنهم وضعوا البندقية في. . . كيف أقول؟ في مكان العفاف منها، فوقعت أمامي تتخبط بدمها، أما أبي فهرب بي وبأختي وانطلق يعدو حتى لحقوه، فجعلوا يضربونه بأعقاب البنادق وبأيديهم وبأرجلهم حتى سقط. واستاقونا. . .
ورحت أتلفت وأنا أكاد أجن من الذعر، أنادي: أبي! أبي!
أحسب أن أبي يسمع ندائي بعد الذي نزل به أو يقدر على حراك. ولكن أبي قد سمع