للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتوسلت إليه أن يخلصها مما هي فيه بجرعة من السم المقدس تريحها من هموم الحياة، وتحول بين الفضيحة وبين سرها وحبها.

وقد تردد الراهب أول الأمر، لكنه سرعان أن رق للفتاة، ولان قلبه للحبيب النازح، فتناول كأسا روية من الخمر وجرع ما فيها. . وكأنما شرب منها شجاعة، وعب حماسة وإقداما. . فتهلل وجهه، وربت على كتف جيانوزا، ثم وعدها عدة جميلة، وأمرها أن تنطلق إلى ذويها فتسلس لهم فتلقاها القياد وترضى بمن يختاره أبوها بعلاً لها. .

وسجدت الفتاة وشكرت له، وانطلقت إلى دارها فتلقاها أبوها بمثل ما كان يتلقاها به كل يوم وكل ساعة، وما كاد يكرر عرضه عليها حتى قبلته، فطفر قلبه من الفرح، وطبع على رأسها قبلة العطف والحنان.

وذهبت في الموعد الذي حدده لها القس، فأعطاها زجاجة صغيرة تحوي الجرعة السحرية الهائلة، ثم ذكر لها أنه لم يصنع لها السم الذي رغبت فيه، بل صنع منوماً يدع شاربه في حالة تشبه الموت لمدة ثلاثة أيام. . (فإذا حسوت هذه الجرعة وتغشاك النعاس، وظن أهلوك أنك ميتة، حملوك إلى قبونا لتدفني فيه، وسأزورك في اليوم الثالث وأتولى إيقاظك بنفسي، وبهذا يكون ما بينك وبينهم قد انقطع، فتستطيعين السفر إلى الإسكندرية حيث تلقين زوجك، وحين تكلأكما عين السعادة. .)

واغرورقت عينا جيانوزا بدموع علوية، ثم قبلت يد القس وانطلقت إلى بيتها تحلم أحلاماً رائعة جميلة.

وجلست تكتب كل ذلك إلى حبيبها ماريوتو. فلما فرغت أهوت على الخطاب تلثم اسمه الحبيب في كل سطر، وخرجت لتدفع بالخطاب إلى من يوصله إلى السفينة الشرقية، فلما عادت، فتحت النافذة، وصلت صلاة قصيرة، وتمتمت باسم ماريوتو، ثم شربت الجرعة الثمينة، وانطرحت في سريرها وأغمضت عينيها.

ودخل الخدم في الصباح بالورد والبنفسج، ورياحين الربيع لمولاتهن، فلشد ما ذعرت قلوبهم وجفلت نفوسهن لأن سيدتهن لم تستيقظ.

وأهرع أبوها وبعض ضيفه فوقفوا فوقها مسبوهين مأخوذين، ثم استدعوا أطباء سينا فما نفع طبهم ولا أفلحت حيلهم، بل ذهبت جميعاً أدراج الرياح.

<<  <  ج:
ص:  >  >>