وقر رأيهم على أن يتركوها حتى اليوم التالي، (فقد تكون نائمة بتأثير شلل في المعدة لا يزول إلا في هذا الميعاد!) لكن الميعاد فات ولم تستيقظ جيانوزا، فلم يعد بد من دفنها، لأنها ميتة ما في ذلك شك.
وخرجت جميع عذارى سينا يتهادين وراء الأران، ويحملن أفنان الزهر إلى مقابر سانت أوجستين. . ثم عاد الجميع وكل قلوبهم حرق، وملء نفوسهم أشجان وأحزان.
وخشي الراهب أن تستيقظ جيانوزا في ظلام الليل البهيم فتذعر، ولا يكون لموتها من هذا السبب من بد، فمضى إلى القبو هو ورفيق له، ونقلا التابوت الحي إلى غرفته الخاصة.
وحانت الساعة الموعودة، واستيقظت جيانوزا من سباتها العميق بين أيدي الراهب المفزوع، وأخذت في الاستعداد للرحلة، الرحلة المنشودة إلى فردوسها المفقود. . إلى ماريوتو. . إلى الزوج العزيز الذي اقتحمت في سبيله أصرم العقبات.
وقد دبر لها القس ثياب راهبة. وبعد أن دعا لها بخير، انطلقت إلى ميناء بيزا، حيث ركبت في سفينة متجهة إلى الإسكندرية مع كثير غيرها.
وقد لعب البحر بهذه الحفنة من السفن شهورا طويلة، وكأنما كان ذلك لتمام المأساة. وذاك أنه لما علم جارجانو - شقيق ماريوتو - بما كان من وفاة الفتاة، فإنه أرسل إلى أخيه كتابا طويلا ينعيها إليه، ويطلب له الصبر والسلوان. وقد وصل الخطاب قبل أن تصل جيانوزا، وقبل أن يصل خطابها الذي سطرته إليه قبيل تحسيها الجرعة. . فواهاً للمحبين إذا عثر بهم الحظ. . وإذا لج بهم العثار. .
مسكين ماريوتو! لقد فض خطاب أخيه بيدين مرتجفتين ومتمناه أن يتلو فيه خبراً يسره. . فماذا قرأ؟
(جيانوزا. . لقد ماتت جيانوزا يا أخي. . فتجلد، وهذه غاية كل حي
(لقد كنت أؤثر ألا أبعث إليك بهذا النبأ، لكني اضطررت أن أفجأك بالحق ليهدأ قلبك، وتستريح نفسك)
ولم تنحدر عبرة واحدة من عيني ماريوتو، وأنى له أن يبكي، وليس أعصى من الدمع في هذه المآسي التي تزلزل النفس ولا تنبجس لها العين.
وشاع في نفسه الحزن الصامت الذي ليس أنكى منه مرارة ولا أحر وجدا.