وعبثا حاول عمه أن يواسيه. . وصمم الزوج الحزين أن يبحر من فوره إلى إيطاليا، ليقف على ثرى حبيبته، وليسقيه بدموعه ولينشق هذا الهواء المريض الذي نشقته قبيل موتها من أجله، وفنائها بسبيله. . ولأنه لا يليق به أن يخشى شيئا في سينا بعد أن قضت حبيبته، وتحملت الأذى والهوان من أجله.
وأرست السفينة في نابلي، وانطلق ماريوتو في ثياب حاج إلى سينا، واشترى آلات رأى أنها لا بد منها لينقب بها حائط القبو، حتى يتيسر له الدخول إلى حيث تقر رفات معبودته، فيجزيها حزنا بحزن ووفاء بوفاء، ثم لينام جنبها إلى الأبد، لأنه لا يطيق البقاء بعدها.
واختبأ في الكنيسة إلى أن جنه الليل، حتى إذا نام الجميع وأمن أن يعثر به أحد، أخذ في نقب جدار القبو، وقبل أن يفرغ من هذا شعر به حارس المقابر، فنفخ في صوره، وظل ينفخ فيه حتى استيقظ الرهبان، واجتمعوا عليه، لكنه كان قد فرغ من عمله، وانفتل داخل القبو، وفي ظل شمعتين صفراوين شاحبتين، وقف على رمس ظنه رمس حبيبته.
وكانت التقارير السرية قد انتشرت في أيدي الجواسيس تعلن وصوله , فلما قبض عليه وسيق إلى قضاته؛ باح لهم باعتراف جامع ناجع وساعدته دموعه التي كان ينضح بها كلماته، فهاج شجون النظارة وفجر في قلوبهم شآبيب الحنان، حتى إن كثيراً من النساء وبعض أصدقائه، عرضوا على المحكمة أن تسمح لهم بمشاركته في جريرته، أو إلقائها كلها على كواهلهم، إذا كان ذلك شافعا لإطلاق سراحه، ولكن هيهات! لقد زمجر كبير القضاة، وتهدد الحضور إن تدخلوا في إجراءات العدالة، أو اعترضوا سبيلها، فصمتوا. وانتهت المحاكمة، وصدر حكم الظالمين القساة بالإعدام.
ووصلت جيانوزا بعد لأي إلى الإسكندرية، وانطلقت من فورها إلى بيت العم العزيز الذي تلقاها كابنته، وأعز الناس عليه.
ولم يشأ أول الأمر أن يفاجئها بسفر ماريوتو، بل تركها تسرد عليه قصة موتها المدعى، حتى إذا فرغت منها تبسم الرجل الخير، ثم ذكر لها أن ماريوتو قد تسلم رسالة من شقيقه ينعيها له فيها وأنه منذ ذلك اليوم لم يعد إلى البيت، وأن أكبر ظنه أنه رحل إلى الوطن.
يا آخر الأنباء السود ما أشأمك! أبعد طول النضال في البر والبحر، وبدلا من أن تضم إلى صدرها المعذب حبيبها المشوق تحضر إلى الإسكندرية فيبدهها هذا النبأ.