المطبوعة به تربيتنا المدنية والعسكرية من قرن مضى تعفو آثاره عفاء تاما، يشق علينا أن نصدق أنهم يقبلون القوانين الفرنسية التي استمدت قوانيننا نصوصها منها، وباتت متأصلة في نفوس المصريين وعوائد هم حتى أصبحت اليوم جزءا من راس مالنا الاجتماعي، ولا يكون لها أثر في الأساس الذي تستند عليه مدينتنا المصرية - وإن اللغة الفرنسية الجميلة المنتشرة في مصر أكثر من أي بلد أجنبي آخر، والتي بات لزومها في طبقاتنا المستنيرة لزوم لغتنا الخاصة نستعملها في معيشتنا العائلية اليومية بالسهولة التي نستعملها في حياتنا إليها يكون مصيرها إلى الزوال، وإن دور التعليم المتنوعة الأشكال والتي أنشأتها فرنسا في مصر والتي استوجبت منها بسببها عظيم الحمد وجزيل الشكر توصد أبوابها، وإن الإرساليات التي نبعث بها إلى فرنسا ليرشف أبناؤها من منابعها الفياضة لبان المعارف والعلوم والفنون ينصرف حبلها.
وصفوة القول أنه يعز علينا أن يرضى الفرنسيون بأن يوقف تيار النمو وهو بالغ منتهى سرعته في الشركات الفرنسية والبيوت التجارية والبنوك وغيرها بين ظهراني أمة تحب فرنسا وتفضل كل ما هو فرنسي على جميع ما عداه.
لا شك أن الشعب الفرنسي - وهو أكثر الشعوب تمسكا بالكماليات وأحرصهم على صون مهمته التاريخية في العالم - لا يمكن أن يغض الطرف بسهولة عن الامتيازات التي يضمنها له في وادي النيل ماض مفعم بأحسن العلاقات وداً، وأكثر المصالح انتشارا. .)
هذه هي الجناية على القومية المصرية باسم المطالبة برفع الحماية، وإن المواطن اليقضان ليعجب كل العجب كيف أفلتت هذه الصفقة السياسية من الحراسة الشعبية، وكيف جازت على المصريين حتى أسلمتهم (اليد الأمينة) إلى تجار الرقيق، وسماسرة الاستعمار، ولم يعد لهم من الحرية ما يمكنهم من نزع هذا النير الغليظ من أعناقهم الكليلة.
وإن هذا الاستجداء هو الذي أطمع فرنسا في استعمار مصر ثقافيا، بعد عن عجزت عن احتلالها، فلا أقل من أن تسير وفق الخطة الإنجليزية وهي استفراغ العقلية المصرية من مواهبها ومآثر تراثها، فتوسلت بذلك باللغة الفرنسية، التي بلغ بها التواضع إلى أن قبلت السير في الركاب الاستعماري الأعزل، وتظاهرت بالتساهل والتقرب إلى الناشئة في الوقت الذي يشيع فيه الذعر والهلع من (البعبع) الأساسي، وجعل للغة في باريس ثلاثون