على أن السنوسية لم تكن دعوة لتطهير الدين من البدع والخرافات فحسب، بل تعدت هذا النطاق إلى تحرير الرقيق من أهل (واداي) فكان سلطانها محمد شريف يشتري هؤلاء الأرقاء ويعلمهم في الزوايا ثم يعتقهم ويبعث بهم إلى أهليهم لينشروا الإسلام في الزنوج والوثنيين.
وليبيا الواقعة حينذاك في نطاق الخلافة العثمانية لم تنس حقيقة هذا الدين المتين فتمسكت بأهدابه، وعندئذ رأى العثمانيون في السنوسية عاملا من عوامل الدعاية لهم، فاستعانوا بالسنوسي الكبير على بث روح الألفة بين الناس، ونشر السلام بين ربوع البلاد، وسار ولاتهم في ركابه كلما انتقل في البلاد إلا أنهم ما لبثوا أن قلبوا له ظهر المجن عندما بدأت السلطات العثمانية (تخشى من سلطان السيد في الجهات التي أنشئت فيها الزوايا وكثر بها الإخوان والأتباع والمريدون) وعملوا على زعزعة مكانته في نظر المسلمين حتى ناهضته العناصر الرجعية بالأزهر، فلم يثنها ذلك عن المضي قدما.
ولما توفي السنوسي الكبير سنة ١٨٥٩انتقت الإمارة إلى ولده المهدي الذي أخذ على عاتقه إتمام ما بدأه أبوه فزاد عدد الزوايا وتوغل في الصحراء الكبرى، وأوجد بها مراكز لتعليم الرماية، فاتهمته فرنسا وتركيا وإيطاليا بتعطيل مصالح الاستعمار والتعصب ضد المسيحية واغتيال المكتشفين للصحاري. وتوفي المهدي في أول يونيو سنة ١٩٠٢وخلفه الشاب السيد أحمد الشريف حفيد السنوسي الكبير فواصل الجهاد ضد الفرنسيين وصمد لهم على الرغم من تخلي العثمانيين عنه حتى أسلم القيادة إلى ابن أخيه الراشد إدريس.
وفي سبتمبر سنة ١٩١١قطعت إيطاليا علاقتها بتركيا، فأغار الطليان على برقة وطرابلس. فبدأت السنوسية صفحة عريضة من نضالها الشعبي الذي دام ثلاثين عاما، وتحققت الجامعة الإسلامية بصفة عملية في تدفق المؤن والذخائر والمال والرجال على ليبيا من مصر والسودان والعراق والشام وتركيا، وقام صالح حرب بدور جريء إذ انقلب على الإنجليز ودافع عن مقدسات الشعب الليبي، كما أبلى البطل الشهيد عمر المختار أحسن البلاء حتى وقع أسيرا في أيدي الطليان الذين حاكموه صوريا وأعدموه رميا بالرصاص.
وما إن اندلعت شرارة الحرب العالمية الثانية حتى تقدم الجيش (الإنجلو نوسي) لطرد