الألمان والطليان من ليبيا وتأمين الجناح الأيسر لمصر، وقد سجل الأمير إدريس السنوسي في هذه الخطوة لنفسه ولبلاده شرف المجاهد والسياسي العامل على تحقيق استقلال بلاده.
وإذ وضعت الحرب أوزارها دأب السنوسي على ضم الصفوف فبويع بالإمارة على الأقطار الليبية: برقة وطرابلس وفزان، حتى نودي به ملكا على مملكة مستقلة لم يكف عزام عن سرد قضيتها على الرأي العام والسعي في انضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة وبالتالي إلى جاراتها أعضاء جامعة الدول العربية.
هذه هي قصة السنوسية كما عرضها الدكتور محمد فؤاد شكري في كتابه القيم (السنوسية دين ودولة) الذي بذل فيه جهودا جبارة في سبيل التحقيق العلمي، فجاء عمله مثلا طيبا للمنهج التاريخي الذي وضع دعائمه الأولي ابن خلدون. فقد تجنب السرد المضل. وعمد إلى التحليل والاستقراء، وليس أدل على ذلك من فصل (الإمارة السنوسية) الذي خصصه لتفصيل دعائم هذه الدعوة وهي أصول دينية واجتماعية وسياسية واقتصادية.
ومما يجدر بنا الإشارة إليه - كآخر أصل سياسي للإمارة السنوسية - (تلك الوصية التي تركها السيد رحمه الله بإسناد رئاسة الطريقة السنوسية إلى الأكبر الأرشد من الأسرة السنوسية. ثم نظامك البيعة) وما نعلم مطلقا أن للبيعة في الإسلام كتلك المراسيم التي ننكرها على الطقوسيين، فهل من الإسلام أن البيعة تستتبع تقليد المبايع سيفا ومنحه كتابا وإلباسه جردا، وإعطاءه مسبحة، وإقامة صلاة ومصافحة (فكانت هذه الصلاة وهذه المصافحة بمثابة المبايعة له بالإمارة من بعده؛ وأجمع الإخوان وكبار السنوسية وشيوخها على قبول هذه الإمارة في حياة والده ثم بعد وفاته، وعلى ذلك فكأنما جمعت السنوسية في نظام الحكم بين مبدأ الوراثة والصلبية والعمل بمبدأ الشورى وحققت في هذا النظام بعض شروط الإمارة). وينزع المؤلف إلى منطق التبرير الذي نراه يباعد بينه وبين منطقه المنهجي إذ يقول (ومن المعروف أن الشورى كانت ركنا من أركانها، والواقع أنه لم يكن هناك مناص من هذه (البيعة) الإسلامية باعتبارها أصلا من الأصول التي قام عليها (بيت) شريف ينتهي في نسبه القرشي إلى الرسول الكريم). . . كذا. .
هذا ولا ننكر على المؤلف هذه الطاقة العلمية التي جعلته - في سبيل التحقيق والتحليل - يعتمد على أوثق المصادر، ولا سيما الإيطالية بعد أن ترجمها له أصدقاؤه من الليبيين