لا نكران أنه اقترن بها والفرق بين عمريهما جد كبير. إذ كانت في العشرين وهو في الخمسين. . . بيد أنه ليس ثمة من ينكر أيضاً أنه انتشلها من وهدات اليتم والمسبغة، وأضفى عليها لقبه المجيد التالد وقلبها في ثرائه الواسع وضمن لها الحماية والرعاية في حياته، وسيخلع عليها من تراثه درعا يقيها من بعده عدوان الناس وغدرات الزمن. أبدا. . ما أرغمها امرؤ على الزواج منه، بل كان هذا على اختيار منها ورغبة. . . ولم يكن يوما ليني عن تلبية رغبة لها مهما صعبت وشقت. فالصيف في الريف الجميل الساحر، والشتاء في أرفع فنادق باريس الفواخر. أو إذا شاءت في قصره العظيم في (نيس). في كل حفل كانت تبدو زينة الأتراب والصواحب، وفي كل جمع كان يعلو بها اسم زوجها إلى أرفع مكان وأسمى منزلة بين سائر الفتيات والعقائل. وبينا كان يثق في وفائها وإخلاصها ويعجب بجمالها وفتنتها ويتيه لسحرها وأنوثتها، إذا هي تخونه وهو لا يدري.
لقد خدم بلاده أربعين سنة سويا. حارب في أفريقيا وفي المكسيك، وحاز أرفع القلائد والأوسمة، وجلب المجد والفخار لأبنه. . . ثم ماذا بعد كل تلك الحياة الحافلة بجلائل الأعمال وطيب المآثر؟ عار تجلبه عليه هذه المخلوقة الشقية وهو من الموت على شفا جرف هار.
وليت الأمر قاصر على هذا فحسب، بل جرته إلى شك مظلم يتخبط فيه حتى ليكاد يذهب عقله فيمضي إلى رمسه مخبولا. ابنه (باتريك) زهرة آماله وعمره الثاني. . . ابنه هو، أم ابن غريمه فوشيرون؟ باتريك. لقد شب ونما في قصره العتيد حيث تقضي أمه كل شتاء وحيث كان يذهب هو ليعانقه ويتملى من رؤيته. أنه يبدو قويا كغصن شامخ فتي، ويتجلى الزهو والكبرياء في نظراته، ويبدو الصلف والخيلاء في لفتته، وتنطلق ملامح وجهه بقوة العزم وشدة المراس. يا له من إله صغير من آلهة القوة والجمال! خير خلف لأشرف سلف. ومما زاد الرجل تعلقا بابنه وحبا له أنه ورث عنه قوة العزم وصلابة الرأي وثبات الجنان.
والآن تقضي هذه الجريمة التي اقترفتها زوجه على كل تلك الذكريات السامية حول ابنه وذلك الإعجاب الذي يجنه الرجل لوحيده.
وأمسك الرجل التعس رأسه الثائر بين كفيه كأنه يمنعه من الانفجار، وسرت حمى الغضب في دمه فغمغم وهو في تلك الحال من اليأس والضعف والمرض.