وفي مثل هذا الموضع المشتبه من العداوات، شيئا يمكن أن أسلم به. فإني لا أحب أن أستهلك عقلي في العبث والجهالات. واعلم أني لا أنقاد لما لا بينة عليه، وان للعقل شرفا لا يرضي معه بالتدهور في مواطئ الغفلة وسوء الأدب. ولو أنت لم تعجل لكان البيان آتيك بعد قليل عن الذي أستطيعه من ذلك وما لا أستطيعه، غفر الله لك، أقولها خالصة من قلبي، بلا مسوح وعظ أو إرشاد!
وأنا أخذتك من أهون المآخذ في طريق العقل، فهناك طرق أخرى أشق وأصعب في تمييز هذا العبث لم أدفعك إليها، وأرجو أن تصبر حتى تعرفها يوما، أو أن تحاول أنت أن تصل إليها بما أوتيت من حسن العقل، فإن المحاولة خليقة أن تفضي بك إليها. ولكن شرطها أن تدع العصبية لآراء الرجال، وبخاصة إذا كان هؤلاء الرجال ممن يبينون أقوالهم على الغلو والتسرع وسوء الفهم، وقبح المقصد، ومعاندة الحق لهوى في النفوس يعلمه الله وحده، ولكن يدل مطلعه على أنه هوى. فإذا فعلت استطعت أن توفر على نفسك مطالبتي بنقد الحوادث التاريخية التي رواها صاحبك (نقدا موضوعيا)! ومع ذلك فسأفعل حيث كتبت كلامي ما يرضيك. ولكن على شرط أن أجد عندك ما أحب لك من حسن الظن فيك: أن تعرف أن النقد الموضوعي الذي زعمت، ينبغي أن يسبقه التحقق من صحة هذه الحوادث تحققا ينفي كل ظنة. وأستطيع أن أظن أني قدمت لك في هذه الكلمة ما يجعلك تقف من هذه الروايات التاريخية! موقف المتردد على الأقل، أنفة لعقلك وأدبك أن يزلا حيث زل من دافعت عنه.
أما الموضوع الذي نصبت له كلامي في مجلة (المسلمون) فهو سب الصحابة، وأظن أن الأستاذ يوافقني على أن كلام صاحبك خرج أولا عن أن يكون تخطئة لمعاوية، ثم خرج عن أن يكون طعنا فيه، ثم خرج عن أن يكون سبا. خرج من هذه المراتب الثلاث إلى مرتبة رابعة، هي أن معاوية إليها من الإسلام، والإسلام إليها منه. فأدنى مراتب هذا القول أن يكون منافقا، وآخرها أن يكون كافرا بما جاء به الرجل الذي آمن به المسلمون وأمروا أن يسموه (رسول الله صلى الله عليه وسلم)
ومن العسير أن أكتب في هذا الموضوع الآن دون أن أتوشح بذيل من ذيول (مسوح الوعظ والإرشاد)، فليأذن لي الأستاذ قليلا أن أرد فضلة من الثوب الذي خلعت حتى أستطيع أن أوضح له: