زعمت يا سيدي أن لي رأيا، فقلت إني أثرت هذه العاصفة وحجتي الوحيدة:(أن كل صحابي رأى الرسول وسمع عنه قد اكتسب مكانة تحرم على كل إنسان أن ينقد أخطاءه أو يظهر أغلاطه). ويلك! نسبت إلي شيئا لم أقله قط كما ستعلم بعد. فلا تنس إذن أن مثل هذا جائز أيضا أن يكون وقع من مثلك قديما، فنسب إلى معاوية شيئا لم يقله كما نسبت أنت إلى شيئا لم أقله. ولكني كنت أحسن حظا من معاوية رضي الله عنه، فإن كلامي مكتوب منشور، أما معاوية، فقد روى الناس عنه شيئا ذهب أصله، لأنه لم يكتبه كما كتبت. صدقني، فلست أدري من أين فهمت هذا الكلام الذي ترجمته؟ ولكن عذرك باد ظاهر، فإن دفاعك عن صاحبك دليل على أنك على الأقل تفكر كما يفكر، وهذه الطريقة هي نفسها طريقته التي أدعوك إلى فراقها حتى لا عقلك فيما لا يجدي. والذي قلته بعد الخطبة المنبرية التي زعمتها، والتي بدأتها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا أصحابي. . .) هذا نصه: (وليس معنى هذا أن أصحاب محمد رسول الله معصومون عصمة الأنبياء، ولا أنهم لم يخطئوا قط ولم يسيئوا، فهم لم يدعوا هذا، وليس يدعيه أحد لهم. فهم يخطئون ويصيبون، ولكن الله فضلهم بصحبة رسوله، فتأدبوا بما أدبهم به، وكانوا بعد توابين أوابين كما وصفهم في محكم كتابه. فإذا أخطأ أحدهم، فليس يحل لهم، ولا لأحد ممن بعدهم، أن يجعل الخطأ ذريعة إلى سبهم والطعن عليهم. هذا مجمل ما أدبنا به الله ورسوله. بيد أن هذا المجمل أصبح مجهولا مطروحا عند أكثر من يتصدى لكتابة تاريخ الإيلام من أهل زماننا، فإذا قرأ أحدهم شيئا فيه مطعن على رجل من أصحاب رسول الله سارع إلى التوغل في الطعن والسب بلا تقوى ولا ورع كلا بل تراهم ينسون ما تقضي به الفطرة من التثبت من الأخبار المروية، على كثرة ما يحيط بها من الريب والشكوك، ومن الأسباب الداعية إلى الكذب في الأخبار، ومن العلل الدافعة إلى وضع الأحاديث المكذوبة على هؤلاء الصحابة (مجلة المسلمون عدد ٣ ص٢٤٧).
وأنا أكره أن أنقل كلاما لي من مكان إلى مكان، ولكنك استكرهتني على نقله، حتى لا يقع في عقل أحد من قراء الرسالة، أني مستطيع أن أقول هذه القائلة المنكرة القبيحة بكل مسلم: أن للصحابة مكانة تحرم على كل إنسان أن ينقد أخطاءهم أو يظهر أغلاطهم. هذه يا سيدي كلمة قبيحة جدا، وأقبح منها أن تجعلها ترجمة لكلام مكتوب باللغة العربية التي تكتب بها