للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه)، (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه).

ماذا نرى من هذه الصور الواضحة والتصويرات القوية؟ وما المقصود من هذا الإسهاب في ذكر هذه الأشياء؟ إن شيئا واحدا هو المقصود بكل هذا التصوير العظيم للحقيقة الروحانية الكبرى أم الحقائق التي بنى عليها نظام المجتمع وحياة العالم. أعنى بها الواجب وجسامة أمره، لأنه أمر خطير جسيم والحياة بغير واجب شيء لا قيمة له ولا شأن إن كل هذه الأشياء التي ذكرت تبين لنا قيمة الإنسان في هذه الحياة وأنه لم يخلق هملا حقيرا - وهذه القيمة نأخذها من جسامة ما القي على عاتقه من واجبات هو مطالب بها محاسب عليها - بل إن لكل مهما حقر، عمل إنساني له خطره وقيمته، وله على هذا الجزاء والأجر (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما)، (من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) ويتجلى لنا هذا القول ظاهرا قويا في بعض أقوال محمد التي منها (إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى). فمن كان عمله سيئا فله من السوء نتيجة أبدية - ألا وهي جهنم التي وصفت - ومن كان عمله صالحا فله ثمرة صلاحه السرمدية - وهي الجنة التي وعد المتقون. .

إن الإنسان قد يصل بأعماله إلى أعلى عليين فيصبح رفيقا للملائكة والصديقين والشهداء والصالحين. وقد يهبط بأعماله إلى الدرك الأسفل من الحياة، فيصير ممن طردهم الله من رحمته وحرم عليه نعيم جنته التي وعد بها أصحاب الأعمال الصالحة.

لقد كانت روح محمد ذلك الرجل الذي عاش في الصحراء، تلتهب بكل هذه الخواطر التي أوحى بها إليه ربه، بل إنها نقشت على قلبه هي وبقية أجزاء القرآن الأخرى بأحرف من نور فصهرت نفسه الآدمية وأحالتها إلى روحانية صافية سمت إلى درجات العلى. . . لم يكن محمد بالأناني ولا بالمستأثر بالخير دون سواه، فقد حاول أن يجعل من أصحابه صورة منه، ومن تابعيه قوما صالحين ليضمن لهم التلذذ في الدنيا والآخرة. فحاول مخلصا كل الإخلاص جادا كل الجد أن يصور ما يجول في نفسه من خير للناس ويوضح لهم حقائقه، فقدمه لهم في تلكم الصور الباهرة التي منها صورة الجنة والنار، بل واستطاع أن يبين لهم أي ثوب لبسته تلك الصور من الحقيقة، وأي قالب صبت فيه حتى جعل هذه الصور كلها

<<  <  ج:
ص:  >  >>