يخضع للمجتمع ويتأثر به، فإن للغة دخلاً كبيراً في هذا الخضوع والتأثير. ومن أهم مزايا اللغة قدرتها على أداء المعاني وتيسير تبادلها، وفضل لغة على أخرى يرجع في قسط كبير إلى اتساع تداولها وكثرة المتخاطبين بها.
في وسعنا أن نقرر إذن أنه إذا كانت اللغة ثمرة للتفكير، فإنها هي أيضاً شرط أساسي لوجوده وتحققه على وجه كامل. هذه هي صلة الفكر باللغة، وهي فيما يبدو صلة تفاعل وتلازم، وقد ترتبت عليها آثار عدة، يعنينا أن نشير إلى اثنين منها فقط. أولهما أنه يمكن أن تدرس الحياة العقلية في ضوء الحياة اللغوية. فمثلاً ضعف النطق أو بطؤه يؤذن بضعف ذهني. والأطفال لا يعبرون عن أحكامهم عادة بجملة، وإنما يكتفون بكلمة أو بعض كلمة. ومن هنا نشأ علم النفس اللغوي الذي يرمي إلى تفسير بعض الظواهر النفسية في ضوء الدراسات اللغوية. ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما حاوله (دي شوسير) بالنسبة للغة الكبار، و (بيابجيه) بالنسبة للغة الأطفال، و (ليفي بريل) بالنسبة للجماعات البدائية. وإذا كانت الدراسات السيكولوجية قد أفادت كثيراً في الخمسين سنة الأخيرة من تقدم البيولوجيا والفسيولوجيا والباثولوجيا، فإنها استمدت أيضاً في هذه الفترة مادة لا بأس بها من الدراسات اللغوية.
وفي تاريخ الأدب ظواهر لها دلالتها السيكولوجية، فيلاحظ أن أزدهار الآداب يقترن دائماً بازدهار العلم والحياة العقلية، وأنه حين يعتدي على الحرية الفكرية ويعم الظلم والطغيان ينتشر الغموض والرمز في الألفاظ والأساليب. ولتلك الحرية الفكرية التي نعم بها الأثينيون القدامى شأن في وضوح لغتهم وصفائها.
وإذا كانت المترادفات تُعد ثروة لغوية في بعض العصور، فإنها في عصور أخرى تعتبر سرفاً لا محل له ولا داعي إليه.
ومن جهة أخرى شغلت علاقة الفكر باللغة المناطقة منذ أن وضع علم المنطق إلى اليوم. ونحن نعرف أن منطق أرسطو نبت في جو البيان والجدل السقسطائي، وكان ذا صلة بالنحو اليوناني، بل والعربي. ولأمر ما نطلق كلمة (لوجوس) اليونانية على العقل واللغة على السواء. وقد درج المناطقة منذ أرسطو على أن يعتبروا دراسة الألفاظ والقضايا مقدمة ضرورية لدراسة البرهنة والاستدلال. ولم يقنع المناطقة المحدثون بهذا، بل شاءوا أن