للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقرأها مرة ومرتين ثم بدرت منها بادرة غريبة عجبت لها هي نفسها. . وذلك حين رفعت رسالته إلى فمها وقبلت سطورها وفي ظنها أنها إنما تقبل حياة تفيض بالسعادة واللذة خلال هذه السطور. . وأخذت تردد: نعم. . نعم. . سيكون جوابي. . نعم. وإذن ففيم استيقاظها صبيحة هذا اليوم مضطربة حيرى كما أسلفنا؟. . ما الذي حدث خلال هذه الفترة القصيرة بين تقبيلها رسالة جورج نهار الأمس فرحة نشوى وبين الساعة التي ترتفق فيها وسادة سريرها الوثير يبدو عليها سهوم وتفكير؟ ما الذي طرأ عليها يا ترى فبدل عزمها؟!. . وأقبلت الخادم في هذه اللحظة فهصرت أستار الغرفة عن النوافذ والشبابيك فطغت على جوها موجة من نور لآلاء ضاحك غمر المكان كله؛ وكان المكان في شارع (فانو) تشرف نوافذه وشرفاته على بستان القنصلية النمساوية الظليل. ولمعت زرقة السماء من خلال النوافذ ونفذ تغريد العصافير إلى المسامع شجياً موسيقياً شعرت معه مدام (ليجيه) أن ثوب الجدة الذي تضفيه الطبيعة على جسمها يتفق والموقف الجديد الذي تقفه هي من حياتها الجديدة هذا اليوم. . حتى أن الثوب المزركش الذي حملته الخادم منذ لحظة كان يغريها بأخيلة وخطرات حافلة باللذة والسعادة. . ومع ذلك فلم يتقطب جبينها ويربد وجهها كلما نظرت إلى عقرب الساعة ينتقل من مكانه. مالها تقف حالمة ساهمة بدل أن تنشط وتفرح؟. . أتراها تتخوف مما عساه يحمله لها هذا اليوم من خوف مجهول؟

حين تكلمت مدام ليجيه عن واجباتها نحو أولادها لم تقل كل شيء للصديق الخاطب، لم تعترف له أن ولدها البكر (شارل) ما فتئ منذ شهور مدعاة تخوفها. أبداً لم تبادل الابن مع أمه كلمة عن (جورج فوكولت) خاطبها الرغيب، وكان هذا الأخير لا يميز هذا الغلام اليافع في المخاطبة والحوار عن أخيه الصغير (رنيه) وأخته الصغيرة (هيلين) اللذين كان يكلمهما بصيغة الإفراد دون كلمة. ولكن إذا شفعت سنو الطفل (رينه) الخمس وأعوام الطفلة (هيلين) العشرة - لهذه الصيغة الافرادية يبدي فيها صديق أبيهما حبه وتدليله لهما، فإن الستة عشر عاماً التي يجتازها الغلام المراهق (شارل) كانت تقيم بينه وبين (جورج) الخاطب جواً مختلفاً عن جو أخويه فيه بدل الألفة والعطف وعدم الكلفة الانقباض والنفرة. ومع هذا فقد كان الخاطب الواغليغضي عن هذا ويتجاهل، بل لقد أخذ في الآونة الأخيرة يضاعف عطفه على الغلام ويبتغي الوسيلة إلى قلبه النافر ووجهه العابس الصامت.

<<  <  ج:
ص:  >  >>