بدأ القتال صباحاً بتحميس القواد رجالهم بالكلمات المأثورة والخطب الحماسية. فنادى شرحبيل بن مسيلمة في رجاله قائلاً:(يا بني حنيفة اليوم يوم الغيرة، إن هزمتم تستردف النساء سبيات وينكحن غير حظيات. قاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم)
وكان أول القتال براز بين الفريقين كما جرت عليه عادة العرب، فقتل في هذا البراز الرحال بم عنفوة الذي كان في طليعة الحنفيين قبل القتال. وكان على الميسرة قتلة زيد بن الخطاب، ويظهر رؤساء آخرين من بني حنيفة قتلوا في البراز مما حمل الطبري على القول:(قتل الرحال وأهل البصائر من بني حنيفة) وبدلاً من أن يوهن هذا القتل عزائم بني حنيفة شدد عزيمتهم فتذامروا وحمل كل قوم في ناحية. ويلوح من مجرى القتال أن الضربة كانت قوية من الجانب الأيمن على ميسرة المسلمين فزحزحتها من محلها وتراجعت منكسرة لا تلوي عن شيء. فأثر ذلك في موقف القلب فرجع متقهقراً وبنو حنيفة يطاردونه إلى أن وصلوا إلى المعسكر فقطعوا إطناب الخيام
ومن الروايات ما يزعم أن ريحاً جنوبية مغبرة هبت في وجوه المسلمين فضعضعت صفوفهم، فاستفاد بنو حنيفة منها فهزموا المسلمين حتى أزاحوهم من محلهم وطاردوهم إلى المعسكر فدخلوا في الفسطاط فرعبلوه بالسيوف
والروايات متفقة على أن بعض الأعداء دخل خيمة خالد بن الوليد وكان فيها مجاعة مكبلاً بالحديد قيد مراقبة أم تميم التي تزوجها خالد بعد قتله مالك بن نويرة. فأراد الحنفيون إنقاذ مجاعة فهموا بقتل أم تميم إلا أنه منعهم من ذلك. فقال لهم:(لا تتشاغلوا في المعسكر، ودونكم الرجال) ففي مثل هذا الموقف الحرج برز خالد إلى الميدان شاهراً حسامه تشجيعاً للمسلمين ومنادياً بشعار (يا محمدآه!). ويكاد المؤرخون جميعاً يتفقون على أن خالداً بفراسته وبطولته أنقذ الموقف. ولولا قيادة خالد وجلادة الصحابة الذين لقوا حتفهم بعد أن أظهروا للمسلمين أمثلة حسنة، لدارت الدائرة على المسلمين ولا ريب.
الصفحة الثانية
تبدأ الصفحة الثانية بدعوة الرؤساء من المسلمين إلى الثبات في محلهم والكر بعد ذلك على الأعداء