فثابت بن قيس الذي كان يقود الأنصار كان ينادي الأنصار قائلاً:(بئسما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين، هكذا عني حتى أريكم الجلاد) وقال زيد بن الخطاب الذي كان يقود القلب حين انكشف الناس عن رحالهم - أي المعسكر -: (لا تحوز بعد الرحال) وقام البراء أخو أنس بن مالك ينادي قائلاً (أنا البراء ابن مالك. هلم إلي) أما أبو حذيفة الذي كان يقود الميمنة فكان ينادي قائلاً: (يا أهل القرآن! زينوا القرآن بالفعال). وفي مثل هذا الوقت العصيب تدبر خالد الموقف ففكر في حيلة يعيد بها نخوة المسلمين، ويزيد حماستهم، ولا سيما لما رأى أهل القرى يحينون أهل البادية وهؤلاء يحينون أهل القرى
وتكاد الروايات جميعاً تتفق على أن القبائل من أهل البادية انهزموا أول مرة فألقوا الوهن في صفوف المسلمين. والظاهر من نتائج المعركة أن أهل القرى ثبتوا (فاستحر بهم القتل) كما يذكر الطبري. وكان التدبير الذي توصل إليهخالد لينقذ الموقف ويتغلب على عدوه منحصراً في أمرين:
أولاً - فصل أهل القرية عن أهل القبائل، ووضع كل فريق منهم في جانب. فكان الأنصار والمهاجرين وأهل القرى الآخرون في جانب، والقبائل في جانب آخر. لأن انهزام المسلمين أوقع الخلل في تركيب المعركة، فاختلطت الميسرة بالقلب، والقلب بالميمنة، وتخلى الناس عن رؤسائهم
ثانياً - طلب من كل جانب أن يمتاز، وذلك لما رأى أهل لقرى يعزون سبب الخيبة إلى القبائل، والقبائل تعزو الخيبة إلى أهل القرى. وفي هذا تناحر لدى الفريقين، وإذا ما اشتد التناحر يؤدي إلى التقاعس
فصرخ في المسلمين طالباً منهم أن يمتازوا ليتبين من أين يأتي الخلل. وكان يريد بذلك أن تبرز الفرق فلا ينسب إليها ذلة الانكسار. ونال بذلك ما أراد. فأمتاز أهل القرى والبوادي؛ وامتازت القبائل من أهل البادية، فوقف بنو كل أب على رايتهم كما يذكر الطبري. فتولى خالد بنفسه قيادة صفوف أهل القرى، فقاموا جميعاً قومة واحدة فقاتلوا قتال الأبطال. وكان خالد في أول الصف يشجع المسلمين ببطولته ولا يقابله أحد إلا قتله. وكان يفتش عن مسيلمة ليقتله، لأنه عرف أن الحرب لا تركد إلا موته، وأن بني حنيفة لا تحفل إلا بقتله. وكان من أمر ذلك أن تشجع المسلمون فصدوا العدو