للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في التحليق مع الخيال إلى القمم والأجواز، فلم يبرز يوم البعث، دون مقدمة تمهد له وتؤذن به، فالأثير يدوي بأصداء خفاف عوابر، والأفق موحش يتجاوب فيه الصدى تجاوبا مرهوبا، والسكون الشامل يدفع الأحشاء إلى حركة تؤذن بالانفجار، والأثير يتجاوز الخفق - بعد قليل - إلى الزمجرة والقصف، والضباب يتدجى على الثرى في تكاتف والتحام، والدخان يتنقل مع الريح كالدخان المتصاعد من المباخر العاليات. . . والسحاب والسديم والبحار تأخذ في مرآة الشاعر صورا مهتاجة فزعة. . . تجد هذا كله حين تنصت إلى قوله في مقدمة ملحمته الجيدة.

أذنت إلى خفق الأثير وقد هفا ... يدوي بأصداء خفاف عوابر

وللأفق حولي وحشة أولت الصدى ... وضوح شهاب عابر في الدياجر

سكون تكاد النفس توجس خلفه ... حشاً مستفزا بانفجار مخامر

على صفحتيه ما ينى نبض منذر ... كنبض سراج في السموات ساهر

لآنست إرهاصاً لأمر مروع ... وراء أسارير الأثير الموائر

فلو أن مذياعا يبين ما انطوى ... عليه لأجلى موجه عن زماجر

وما هي إلا أن تدجى على الثرى ... ضباب إلى غيم على الأفق سائر

وصعدت الأرض الغبار كأنه ... على الريح مذرورا دخان المباخر

هنا السدم قد ذرت، هنا السحب بعثرت ... هنا طافر ينزو إلى جنب طافر

وتمضى القصيدة إلى نهايتها في هذا السياق الرصين!!

والقارئ يغتبط كثيراً التآخي الجزالة الرصينة مع الخيال السابح المحلق، في شعر الأستاذ الصمدي، إذ أن التزام الجزالة يصرف الشاعر غالبا عن سبحاته النائية، ومهامهه الشاسعة، ونحن نرى عشاق التحليق والطيران من الشعراء يسرعون إلى مطارحهم النائية، ويرتقون إلى أجوازهم العالية في أسلوب لا يرضى الرصانة والأسر، فالتعبير مفك غير متماسك، والتركيب مضطرب فاتر، واقرأ ما لدينا من الشعر الحديث في الملاحم والأساطير، فلن تجد للرصافة أثراً يرضيك، بل إنها في مذهب أصحاب الملاحم ضرب عتيق من التقليد المظلم الذي يتعذر.

أن يجد سوقه الرائجة في هذا الأفق الطليق، وقد دفعهم إلى هذا الاتهام القاسي ما يجدونه -

<<  <  ج:
ص:  >  >>