غالباً. . . لدى أنصار الجزالة من ضيق الثقافة والخيال والتحليل، إذ أن قصائدهم - في الأكثر - تضطرب في نطاق ضئيل من المعاني المتوارثة الشائعة - وإذا جنحوا إلى الابتكار الشائق فلا يتجاوزون حدود الاستعارة والتشبيه، مما يتعلق بالبيت أو البيتين، لا أن يعم الابتكار فكرة القصيدة، وأغراضها وأوزانها، فتكون له الدقة والطرافة والتوثب، وقصيدة الشاعر عن يوم البعث محاولة طيبة لتقريب الشقة بين المذهبين المختلفين، وإن كنا ندعو الأستاذ الصمدي إلى التخلص قليلا من بهارجه اللغوية، التي تبرز بوضوح في صفحات ديوانه. فقارئ الشعر لا يصبر على مراجعة الهوامش كقارئ المنطق والفلسفة، ولكنه يريد فاكهة عذبة مريحة، يلمس في يديه نعومتها الشفافة، ويرىبعينيه صورتها الخلابة، ويذوق بفمه حلاوتها المشتهاة، وهذا ما تحول دونه ألفاظ المعاجم، في بعض الأحايين، ومعاذ الأدب أن يفهم القارئ من هذا الرأي أننا نتنكر للجزالة والأسر، بل نسير معهما إلى أبعد شوط وأقصاه، ولكننا لا نراهما في حاجة إلى الألفاظ الغريبة عن السمع والعين وللفؤاد، وأكثر ما لدينا من شعر الديوان سائغ رائق، قد خلص من الغرابة والإيحاش.
وقد لاحظت أن الشاعر - أقر أم لم يقر - متأثر في بعض قصائده بشاعرية الأستاذ العقاد، فقد اخذ عنه حبة للتعليل والتدقيق، ورغبته في جدله العقلي المترف الذي يندس إلى أغوار الحياة، فيجد فيها مادة للتفلسف والمقارنة، وهذا لا عيب الشعر في شيء - كما يرى السطحيون - ما دام ملموسا واضحا أمام الذهن البصير، بل يرفعه إلى مستوى شامخ تتوائب فيه العواطف والعقول، وقد ظهر في هذا التأثر في كثير من القصائد الديوان، كنجوى الأمل، وعلى رفات البشرية، والله والوجود، وإن لم يلحق الصمدي بأستاذه العقاد في الدقة والصدق والإقناع، بل وقف منه عن كثب يطارحه ويحاكيه، واقرأ دعوة الشاعر إلى خداع النفس، والهروب من الحقائق، ونتناسى الواقع، لتلمس الشواهد الدالة على ما ندعيه في مثل قوله: