إن هذه الأساطير - كما تقول الدكتورة - تصور زينب رضى الله عنها كما تمثلها السابقون من الرواة، ولكنها لن تجعل وحدها المهد المستقر الوادع حزينا قلقا يغشاه الاكتئاب، فإذا أرادت المؤلفة أن ترسم صورة لمكانة السيدة في النفوس، فلتعمد إلى هذه الأساطير مستمدة منها الظلال والأضواء، ولن يعارضها في ذلك ناقد يجهر برأيه للقراء، أما أن اتخذت منها الكاتبة مادة لإيقاد الحزن والكآبة في مهد الوليدة المسكينة فهذا ما لا تقبله العقول مهما امتلأت به الصفحات!!
ونحن نسخر بهذه الأساطير دون أن نبيح للدارس النفسي أن يسخر بالأوهام والأحلام، كما تقول الكاتبة الفاضلة. لأن المحلل النفسي يتخذ مادة أبحاثه من أحلام المريض وأوهامه، فهو لم يخرج عن النطاق في شيء، وهنا يجب ألا نسخر به، أما إذا لجأ إلى أحلام مريض آخر ليصل بها إلى تشخيص علاج حاسم لمريض الأول، فهنا يجب أن نوجه إليه النقد المخلص، وهذا ما فعلته الدكتورة المؤلفة، حيث استدلت بأساطير ملفقة وضعها القصاصون حول سيدة كريمة لا لتصور مكانتها لدى هؤلاء القصاص، بل لتتخذ منها دليلا على ما صادف المهد من لوعة واكتئاب، وكأن الكاتبة بذلك تمحو الشقة الواسعة بين الواقع والخيال، ودونهما المطارح النازحة والمهامه الشاسعات
هذا وقد كانت المؤلفة تخط كتابها عن بطلة كربلاء، وفي ذهنها أنه سيكون من بين كتب الشهر التي تصدر عن دار الهلال، ونحن لا نشير إلى ذلك عبثا، بل نعني أن الدكتورة كانت مقيدة بعدد معين من الصفحات يتحتم ألا تنقص عنه ليخرج الكتاب في حجمه المعتاد، ولعل هذا الوضع الحتمي قد قذف بها مضطرة إلى ما أخذناه عليها من الاستطراد الحائر المتذبذب، كما دفع بها إلى نوع من التحليل يقوم على الفرض البعيد، والتأويل المتكلف، وللقارئ أن يطالع حديث الكاتبة عن الصبا الحزين، فسيجدها تتحدث عن زينب وهي في الخامسة من عمرها، كما لو كانت تناهز العشرين، فتفرض أنها انعطفت إلى أبيها بعد موت الرسول، فسمعته يتحدث عن الحق المغتصب للأسرة في بخلافة، ويتألم للمكانة المجحودة، والقربى المهدرة، كما تنس الصغيرة ذات الخمس منظر عمر وقد اقتحم بيت الزهراء ليحمل عليا إلى البيعة!! وما تبع ذلك من نقاش بين الزهراء والصاحبين الراشدين، فليت شعري أبمكفى أن تكون هذه الأحداث ذات علاقة ماسة بالصغيرة الطفلة!!