والمجددين، وأترك للأستاذ المقدمةالتي ذكر فيها (العناصر الثابتة) في الأدب و (العناصر المتغيرة) وأتصدى لكلامه في تجديد الألفاظ. هو يرى أن التجديد فيها على ضربين: الأول (اختيار الألفاظ التي تناسب العصر، ويرضاها ذوق الجيل الحاضر) وضرب الأستاذ مثلا كلمة هبيخ وبعاق وكنهور. وأنا لا أريد أن أناقش الأستاذ في الأمثلة فقد قرأنا في كتبنا القديمة أن (المناقشة في المثال ليست من دأب المحصلين) ولكني أخالفه فيما سماه ذوق العصر وأعرض نفسي لحكمه حين يقول: (وهذا بديهي لا يحتاج إلى إطالة. وكل من جهل هذه الحقيقة لا يفلح أن يكون أديبا) أخالفه في أن يجعل الذوق حكما ولا سيما ذوق الجيل الحاضر على قصوره في اللغة والأدب. وأخشى أن يقتصر هذا الذوق على ما ألف من الكلمات فيعد كل كلمة غير مألوفة نابية عن الذوق ثقيلة على السمع، فإذا أراد كاتب أن يدل على الهواء بين السماء والأرض فقال (السكاك) أو (السمهى) ضحك منه أهل الذوق. وإذا أراد أن يدل على الهواء بين جبلين فقال (النفنف) سخروا منه، وإذا قال صفقت الباب وأجفته بمعنى أتممت إغلاقه أو تركت فيه فرجة (رجلته) اشمأز الذين لم يسمعوا بهذه الكلمات، على إن البيان في حاجة إليها. إن الذوق يسقم ويصح. والأديب النابغة يستملي فطرته فيلائم الذوق العام أو يسيره حيث يشاء ولا يقف نفسه أسيرا تتصرف به الأذواق. إن أمر الألفاظ أجل وأخطر من أن يحكم فيه الذوق وحده. إن الحاجة خلاقة الألفاظ ومبقيتها، والحاجة لا تباليبالأذواق. فعلى كل أمة وكل جيل أن يأخذ من لغته الألفاظ التي يحتاج إليها ويخلق الألفاظ التي لا يجدها، غير مبال بالغرابة أو الثقل الذي يبدو أول الأمر، فان الاستعمال جدير باستئناس الكلمة الملاءمة بينها وبين أذواق الناس. وكم من كلمة أجنبية ثقيلة استعملها الناس فألفوها، ولميجادلوا فيها. فبعض كتابنا يقول البروباجندا والديموقراطية والأرستقراطية والميتافيزيقية على بعدها عن طبيعة لغتنا وأوزإنها، أنا أعرف أن القدماء من أدبائنا غلوا في الظرف وأخذوا على المتنبي وغيره كلمات سموها نابية أو حوشية. وقد تجلى هذا الظرف في كتاب المثل السائر وغيره ولكن هذه الرقةلا يقام لها وزن عند الحاجة الملحة. بعض ألفاظ اللغة محاكاة الأصوات، وبعضها فيما أظن، تخيل المعاني في الأصوات: حاكت اللغة صوت الريح والرعد والطير وأنواع الحيوان ونحوها ومثلت المعاني الأخرى في ألفاظ تلائمها، فليس لنا أن ننفر من الألفاظ الشديدة