ونتجنبها إن أردنا أن ندل على المعاني الشديدة. فالعقنقل والحقف والكثيب والجلمودوأشباهها ملائمة لمعانيها. ولا بد من استعمالها لندل على هذه المعاني. ولكن الذوق الحاضر يؤثر الألفاظ اللينة الحفيفة الجرس المألوفة، ويترك مثل هذه الألفاظ على شدة الحاجة إليها.
ينبغي أن تؤثر الألفاظ القوية الشديدة لمعانيها، والألفاظ الخفيفة لمعانيها، دون إنصات إلى حكم الأذواق، بل ينبغي أن يعمل الأديب لإحياء الألفاظ الطبيعية الشديدة كلما نزعت بالأمة رخاوة الحضارة إلى نسيإنها، وينبغي أن تعالج اللغات بالألفاظ القوية التي تبدو ثقيلة غير مألوفة، كما يعالج ترف الحضارة بضروب السياحات والرياضات الشاقة. والاستعمال جدير بتذليل كل صعب، وأستأنس كل وحشي. يجب أن يحكم موضوع الكلام لا ذوق المترفين. فالشاعر في القاهرة أو باريس إذا وصف الجبال أو الحروب، وهي بعيدة من إلفه، ساغ له أن يأتي بالألفاظ التي تثير الروعة والهيبة. إن اللغات العامية في البلاد العربية نتيجة الأذواق المختلفة، ولغة الأدب الموحدة في هذه البلاد نتيجة مقاومة هذه الأذواق بالتعليم، ورفعها إلى مستوى أرفع وأقوم.
أضرب للأستاذ الفاضل قول مسلم بن الوليد في وصف الصحراء
ومجهل كاطراد السيف محتجز ... عن الإدلاء مسجور الصياخيد
تمشي الرياح به حسرى مولهة ... حيرى تلوذ بأكناف الجلاميد
ما رأيه في (مسجور الصياخيد) و (أكناف الجلاميد)؟ أهي ملائمة لذوق الجيل الحاضر؟ وهل يرى غيرها أجدر بمكانها في هذا الشعر؟ إنها لا ريب حسنة في موقعها، بالغة ما أريد بها من وصف الصحراء حين تشتعل فيها الهواجر. فإن كان علم الجيل الحاضر باللغة ينفر به عن أمثال هذه الكلمة فليس على الكاتب أن يتحرز عنها، ولكن على الناس أن يألفوها. ثم ماذا يرى الأستاذ في قول ابن هانئ الأندلسي:
فحياضهم من كل مهجة خالع ... وخيامهم من كل لبدة قسور
من كل أهرت كالح ذي لبدة ... أو كل أبيض واضح ذي مغفر
طردوا الأوابد في الفدافد طردهم ... للأعوجية في مجال العثير
ماذا يرى إن كان جهل جيلنا الحاضر باللغة ينفر بذوقه من قسور وأهرت والأوابد والفدافد