النظر إلى هذه الأشياء كلها. وكيف ينظر إنسان إلى هذه السخافات وهو يرى الحقيقة تسطع أمام عينيه قوية باهرة حتى ليكاد نورها يغشى عينيه، وفي رأيي أن محمداً مخلوق عظيم من فؤاد الكون وأحشاء الدنيا وأنه جزء من الحقائق الجوهرية، وقد دل الله على أنه رسول إلى هذا العالم بعدة آيات، أهمها أنه علمه العلم والحكمة وأمره أن يدعو الناس إليهما، ثم أوجب عليه الإصغاء إليه قبل كل شيء، لأن الرسالة التي بعث بها هي الحق الصراح، وليست كلماته إلا أصواتاً صادقة صادرة من مصدراً على لا ندركه نحن، فإذا عرفنا هذا استحال علينا أن نعد محمداً هذا أبداً رجلاً كاذباً أفاقاً يتصنع الحيل ويتذرع بالوسائل طمعاً في ملك أو سلطان أو غير ذلك من صغائر الأمور وحقائر الأشياء. كلا ليس محمد بالكاذب ولا الملفق، وإنما هو قطعة من الحياة الأبدية قد تفتح عنها قلب الطبيعة، وإنما هو قبس من النور المقدس يشع من الأبدية فإذا هو شهاب قد أضاء سناء العالم أجمع (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) وهذه حقيقة تدفع كل باطل وتدفع حجة الدجالين وتدحض افتراء الكاذبين المفترين.
إن قوماً قد اعترفوا بنبوة محمد ولكنهم قالوا إنه وقع في بعض الأخطاء وليس في مقدور أي إنسان أن يثبت على محمد هفوات وأخطاء تذر بتلك الحقيقية الكبرى الظاهرة لكل عين بصيرة. وهي أن محمد رجل صادق ونبي مرسل من رب العالمين. ولا نكلف أنفسنا شططاً فنجسم الهفوات ونجعل من الجزئيات حجباً تحجب عنا نور الحقيقة الباهرة.
إن أخطر الذنوب وأكبر الآثام ليهون أمرها إذا كان لباب النفس حراً كريماً وسرها شريفاً، إذ أنها لا بد تائبة عما ارتكبت، وفي التوبة النصوح والندم الصادق ولذع الذاكرة ووخز الضمير المكفر الأكبر للسيئات، والمطهر للروح من أدران الشوائب والموبقات. إن التوبة الصادقة في نظري أكرم أعمال المرء جميعها وأقدس أفعاله كلها.
أما إذا حسب المرء نفسه بريئاً من كل ذنب، بعيداً عن كل خطأ فإنه يكون في نظري خالياً من الوفاء والمروءة، بعيد عن الحق والتقى والخير، وإن نفسه لتكون ميتة - وإن شئت فقل إن نفسه تكون نقية نقاء الرمل الجاف.
والذي يعرف سيرة نبي الله داود وتاريخه كما هو مدون في مزاميره، يرى أنه أكبر دليل وأصدق شاهد على ارتقاء النفس البشرية في مدارج المكرمات، وأن الحرب بين العقل