للعالمين، إن مثل هذه الصفات التي أمتاز بهامحمد والأحكام التي جاء بها القرآن والتعاليم التي أختص بها الإسلام، كل هذه جميعاً هي التي أخرجت العرب من الظلمات إلى النور، وأحيت بها أمة كانت هملاً بين الأمم، فجعلتها تمسك بزمام العالم تقوده إلى بر الأمان.
وهل كان العرب إلا فئة من الرعاة الجوالين خاملة فقيرة تجوب الفلاة منذ أن خلق الله العالم، لا يسمع لها صوت ولا تحس لها حركة ولا يقام لها وزن.
فلما جاء محمد من عند الله وبرسالة من قبله، بدل أمرهم فإذا الضعة قد استحالت رفعة ومجداً، والخمول شهرة والضعف قوة، وإذا الظلام نور شع سناه في جميع الأنحاء وعم نوره الأرجاء، ووصل شعاعه الشمال بالجنوب والمشرق بالمغرب، ولم يمض غير قرن من الزمان على بعثة محمد حتى بلغ العرب الذروة في المجد، وأصبح لهم رجل في الهند ورجل في الأندلس، وأضاء نور الإسلام دهوراً عديدة نصف الكرة الأرضية، وتمتع الرعايا الذين كانوا تحت حكم الإسلام بفضل الإسلام ورونق الحق ونبل المسلمين ومروءتهم وشجاعتهم وبأسهم ونجدتهم، وهدى الله الكثير منهم فشرح صدرهم للإسلام فدخلوا فيه طائعين مختارين بعد أن عاشروا أهله ورأوا ما في الإسلام من تعاليم تكفل العدل وحر الحياة لكل أفراد الرعية، وهذا حال الحكم الإسلامي ما دام الإيمان القوي - الذي هو مبعث الحياة ومنبع القوة - يملأ نفوس المسلمين ويرسم لهم مناهج الحكم وسبل الحياة.
إن في استطاعة المسلمين في أيمن العصور أن يصلوا إلى أرقى مدارج الفضل وأن يبلغوا ذرى المجد إذا اتخذوا اليقين مذهبهم والإيمان الصحيح منهجهم، وما دام الإسلام وتعاليمه رائدهم. فالإسلام نور ونار، نور يهدي إلى الحق والى الطريق المستقيم (يهدي به الله من أتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) ونار تحرق كل شوائب النفوس وأقذارها فتصفي معدنها وتحيي ميتها.
ألستم ترون في حالة محمد مع أولئك الأعراب الوثنيين عندما جاءهم بدعوته، كأنما وقعت من السماء شرارة على تلك الفيافي الواسعة التي لا يرجى فيها خير ويبصر بها فضل، فإذا هي بانفجار سريع قوي يبدل حالها ويضيء ظلامها ويحيي مواتها، وإذا الرمال الميتة قد تأججت واشتعلت واتصلت نارها بين غرناطة ودلهي، وهذا أكبر دليل على صدق محمد