للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

رضي الله عنه، وناهيك!

قال الطبري بسنده: خرج عمر بن الخطاب إلى الشام فرأى معاوية في موكب يتلقاه، وراح إليه في موكب، فقال له عمر: يا معاوية، تروح في موكب وتغدو في مثله؟! وبلغني أنك تصبح في منزلك، وذوو الحاجات ببابك؛ قال: يا أمير المؤمنين، إن العدو بها قريب منا، ولهم عيون وجواسيس، فأدرت يا أمير المؤمنين أن يروا للإسلام عزاً.

فقال له عمر: إن هذا لكيد رجل لبيب، أو خدعة رجل أريب!

فقال معاوية: يا أمير المؤمنين، مرني بما شئت، أصره إليه. قال ويحك! ما ناظرتك في أمر أعيب عليك فيه، إلا تركتني ما أدري: آمرك أم أنهاك.

وإذن فما فعله معاوية من صميم الإسلام، ولو كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبي الإسلام حياً لأقره عليه، وقبله منه.

فالواحدة التي بألف ليست عند معاوية - وحاشاه - ولكنها عند من تجنى عليه!

فأما ما أخذه فضيلة القاضي على بني أمية - بالجملة - من تحكم الشهوات في مصلحة الأمة، واختيار شر الولاة، وعدوانهم على الحريات، وقتلهم العلماء كالحسين وأبن جبير الخ الخ الخ.

فلعمري، دولة يعد منها: عبد الملك بن مروان، الذي كان الإمام مالك إمام دار الهجرة يحتج برأيه، والذي حمله على تأليف (الموطأ). وسليمان بن عبد الملك الذي يعد الإمام عمر بن عبد العزيز حسنة من حسناته؛ والوليد بن عبد الله الذي خفقت في أيامه راية الإسلام على ثلاث أرباع العالم المعمور وقتئذ، وهشام بن عبد الملك الذي أتم تعريب الدولة؛ أقول: إن دولة منها من ذكرت، لدولة لم تغلبها الشهوات، ولا مال بها الهوى عن الاجتهاد للأمة وللإسلام، ولا يضيرها أن كان منها بعض الأعضاء الفاسدين، فالكمال المطلق لله!

والقاضي خير من يعرف أنه لولا الحجاج وأمثاله لانتهى الإسلام بانقضاء عهد الخلفاء الراشدين. ولقد تمرد الخوارج على علي الإمام الراشد، ولم يفرقوا في ائتمارهم المعروف بينه وبين صاحبيه معاوية وعمرو؛ والله يعلم أي كارثة كانت تصيب الإسلام لو تم ائتمارهم على الوجه الذي أرادوه. فالحجاج والقسري وبنو الملهب من هؤلاء الجبارين حقاً ليسو شراً ممن سلطوا عليهم، ولا يفل الحديد إلا بالحديد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>