ثم تأمل هذه الكلمات (الرشاد - النار - الكفاح - الفوز - بليت أو أبليت الرجال - فلا أنا بدع من حوادث تعتري) هذه الكلمات القصار دالة على كفاح هذا الرجل في حياته، وسعيه للفوز والنجاح، ولكنه لقي من الحوادث العنت والقسوة، وثنته الأيام عما يريد ويأمل.
لقد تربى عدي في أحضان النعمة، وخالط الأغنياء والموسرين والملوك، وكتب للملوك وسفر لهم. وكان بعيد مطارح الآمال، لأنه رأى أباه شريكاً في الملك، بعد أن كان الملك له خالصاً. وكان قارئاً كاتباً ملماً بكثير من الأخبار والأحداث. وكان رقيق الحاشية وذا طبع مهذب أنيق. وكل هذا لم يكن من وسائل الترفيه عنه بل كان من العوامل والبواعث التي تبتعث أشجانه وأحزانه، والتي أضفت على شعره لوناً قاتماً بائساً.
وإذا عرفت أنه فيما بعد قد أصهر النعمان بزواجه من هند، وأن هذا الزواج لم يكن موفقاً للأسباب التي أسلفناها لك، وإذا عرفت أن أعداءه لم يهادنوه بل اتخذوا كل ما وقعوا عليه وأولوه تأويلاً سيئاً للإيقاع به. وإذا عرفت أن أعداء عدي أوقعوا الشك في نفس النعمان حين زعموا أن عدياً يرى أنه صنيعته وأنه ولاه ما ولاه. وإذا عرفت هذا كله عرفت أن حياة عدي من قبل أن يغضب عليه النعمان، ومن بعد، كانت شائكة مثيرة محرجة، لا تدع صاحبها يتنسم راحة ولا يعرف قراراً.
كل هذا أنعكس على شعر عدي، فخرج حزيناً بائساً شاكياً، وترجم عن نفس لم تجد في الحياة منافذ لتحقيق الآمال، فشكت أحوال دنياها في أبيات حزينة. ولذلك يكرر عدي قوله عن صروف الأيام وأحداثها، وما توقعه بالإنسان من هم وحزن وقتل للآمال وغبن في الحقوق. وإذا كان هذا شأنها فعليه أن يرشد نفسه، وأن يتدبر أفاعيلها، وألا يغتر بها:
لم أر مثل الفتيان في غبن ال ... أيام ينسون ما عواقبها
ينسون إخوانهم ومصرعهم ... وكيف تعتاقهم مخالبها
ماذا ترجى النفوس من طلب ال ... خير وحب الحياة كاربها
يظن أن لن يصيبها عنت الد ... هر وريب المنون صائبها
ويقول أيضاً:
كفى زاجراً للمرء أيام دهره ... تروح له بالواعظات وتغتدي
وعدي قد طوف بكثير من البلاد. وعرف من أخبار الروم والفرس والعرب الشيء الكثير.