للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأرى قطعان الماشية تمشي الهوينا من المرعي إلى الحظيرة، وأرى بعين الخيال شقيقتي لوسي في الشرفة واقفة تنتظرني وتلوح لي حين تراني؛ على أنها لن تراني ولن أعود!

(بني)

وفي ساعة متأخرة من تلك الليلة فتح باب الشرفة الخلفية بمنزل مستر أوين وانسابت من بين مصراعيه صبية صغيرة وهبطت الدرج الذي يؤدي إلى الطريق.

وكان المشاهد يحسبها لسرعتها طائرة لا ماشية، وكانت تهرول إلى جهة معينة لا تلتفت إلى يمين أو شمال، لكنها ترفع رأسها بين حين وحين شطر السماء يداها منقبضتان كأنها تضرع إلى ربها وتبتهل.

وبعد ساعتين طويلتين قضتهما هذه الصغيرة تسير وحدها في ظلمة الليل ووحشة وصلت إلى محطة ميل. وقبل أن تشرق الشمس كانت لوسي في العاصمة تسرع الخطى إلى البيت الأبيض الذي يقيم فيه رئيس الجمهورية.

وكان مستر لنكولن (رئيس الجمهورية العظيم) قد دخل غرفته تواً وبدا يلقي نظرة على الأوراق المكدسة على مكتبه وأقبل يفحصها وينظر في شؤون دولته. . وبدون جلبة فتح الباب بهدوء وانسابت لوسي إلى الداخل وخطت نحوه ثم وقفت قبالته بخشوع ورهبة: عيناها إلى الأرض ويداها منقبضتان.

ووقع نظر الرئيس عليها ولم يبد عليه أنه غضب أو تململ حين فوجئ بدخولها، بل أبتسم لها مترفقاً وخاطبها بصوت مشجع، قال:

- نعم يا صغيرتي؛ ماذا تريدين في هذا الوقت المتأخر؟

- أريد حياة (بني) يا سدي

- بني؟ من هو بني؟

- أخي. إنهم يرمونه بالرصاص بسبب نومه في نوبة حراسته فعاد مستر لنكولن إلى الأوراق التي أمامه ينظر فيها وهو يقول:

- آه، لقد تذكرت الآن. إنه نام في أحرج الأوقات وأخطرها، وأعلمي يا صديقتي الصغيرة أنه أختار لنومه ساعة تتوقف عليها مصائر بلاده وحياة ألوف من الجنود. وهذا استهتار شنيع.

<<  <  ج:
ص:  >  >>