بدرجات متفاوتة، اهتمام بالآلة، وانكباب على التكنيك، وحرص على الاقتصاد. وما الآلة والتكنيك والاقتصاد سوى التي يتسلح بها الإنسان لضبط الطبيعة وعلاقته، بها ينتج عن ذلك من علاقات اجتماعية.
وهذا الانكباب على الوسائل الإنتاجية هو سر الحركة (الدينا ميسم) ومصدر القوة النادية والعقلية في المجتمع الحديث على اختلاف ألوانه واتجاهاته. وهو الواجب الأول الملقى على عاتقنا نحن العرب اليوم، لأننا لا نستطيع أن نحمي كياننا إلا عن سبيله. فالعالم أصبح يضيق بغنى غير مستثمر، وموارد غير مستغلة. والدول تكاد تسير في معاملاتها على أن المجتمع الذي لا يستثمر موارده يخسر حقه فيها. ولئن كان القانون الدولي لا يقر هذا المبدأ، بل بالعكس يصرح بسيادة الأمة على أرضيها وإرثها الطبيعي، ولئن كانت شرعة الأمم المتحدة قائمة على مساواة الدول في هذه السيادة، فالواقع أن الدوافع المسيرة للدول في هذه تصرفاتها هي غير ذلك. ولا نكران أن الصهيونية بنت جانباً هاما من حجتها لقضيتها في فلسطين على تفوقها على العرب في استغلال الأرض واستخدام وسائل الإنتاج الحديث. وكان دعاتها يجوبون أطراف العالم مرددين هذه الدعاوة ويستقدمون الوفود والبعثات ليطلعوهم على سبقهم للعرب في هذا المضمار. وكان نجاحهم في هذا، مخالفته أبسط قواعد الحقوق الدولية مقنعاً لكثير من الناس وموجهاً للرأي العام العالمي في مصلحتهم. وليس هذا الواقع فعالا في مثل هذا العدوان الفاضح فحسب، بل هو مؤثر أيضاً في التدخلات الأخرى الأكثر خفاء، التي تدفعها قوى لا ترد من منطق المدينة الحديثة ذاته، لاستغلال البوار، وإحياء الموات، أينما كان ولمن كان.
فاستثمارنا لمواردنا هو إذن داعم لحقنا فيها وإهمالنا لها هو بالعكس، وسواء أشئنا أم أبينا لهذا الحق في مفهوم العالم الحديث. ثم إننا بهذا الاستثمار نهيئ لأنفسنا من الناحية الإيجابية وسائل الدفاع عن كيانا في الميادين الحربية والاقتصادية والسياسية والعلمية، ولا شك في أن سبق الصهيونية لنا قرونا في هذا المضمار هو الذي لها سبل عدوانها علينا واستجرار القوى السياسية والاقتصادية الكبرى إلى مساندتها في هذا العدوان.
وعندما نتبين هذا الواقع ونقره نخرج منه إلى نتائج حتمية لا مفر لنا منها. خلاصتها أن نهضتنا القومية، بما تتضمن من سياسة داخلية ودولية ومن تنظم اقتصادي واجتماعي