للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الميدان الاجتماعي؛ وزواج في مؤلفاته بين النظر إلى نظم الشرق الحالية، ونظم الإسلام التي كانت أو التي يجب أن تكون؛ بل زواج بين ما يصطرع في الأفق العالي من مبادئ ونظريات، وبين مبادئ الفكرة الإسلامية، بطريقة المقابلة أو التعرض. . يحدوه في كل ذلك الطابع الاجتماعي الذي تنشده دعوته الشعبية، والذي لا يهدف أصلا لغير الإصلاح الاجتماعي العام كمبدأ أساسي مقصود. والواقع الذي تتبعناه في كتبه، عن طبيعته كمؤلف. وطبيعة كتبه وطريقة عرضها، يؤيد لنا ما ننسبه إليه، من أنه يعمل في الميدان الاجتماعي وفي الجانب الفكري منه، ومن أنه يسد حاجة خاصة تحتاجها دعوة اجتماعية لتسد حاجة عامة من الحاجات الشعبية المعاصرة.

فالأستاذ محمد الغزالي؛ يفكر برأس عالم، بما يحويه المعنى العلمي من لوازم الدقة المنطقية؛ وينفعل بخواطر الأديب في وضع تأملي محدود؛ ويكتب بعد ذلك برأس هذا العالم، وقلم ذلك الأديب. ولكنه ليس بالفرد الذي يجول في محيط تفكيري خالص، فهو إذا عكس لا يضخم، وإذا أحاط لا ينسق، وإذا تغلغل لا يتوغل. ومع ذلك، فهو صفحة حساسة صادقة التصوير الجزئي للفكرة والمجتمع؛ فعدسة منظاره، ليست بالمجمعة المكبرة، ولا بالمفرقة الموزعة؛ فهو إذن. . باحث محدود المجال، لا يكتب للزمن كله، والمكان كله، والفكرة نفسها، بقدر ما يكتب لجيله وعصره ومن يعيش فيه، ولسوف تلمس في أسلوبه، ليونة الانسياب، وعقد المفاصل حين الانتقال من فكرة إلى فكرة، وقد يفقد أسلوبه أحياناً سلاسته التعبيرية وبساطته العامة. ولكن الفكرة والمعان، ستظل دائماً موصلة لما نبا عنه. ولسوف تحس من أصداء عباراته على طولها، لهجة الحديث، ونغمة النقاش، وهشيش العواطف، وحدة الحماسة: كأنك معه في وقعة تفاهم، تتراوح على وجهك أنفاسه. أما أداؤه فأداء تلقائي يجر في ركابه مصطلحات عديدة، تكونت أخيراً في الميدان الاجتماعي، من جراء البحث المستند على علوم المنطق والاقتصاد، والنفس والاجتماع، وأما تصويره، فكل ما نملك قوله فيه، أنه لن يخرج خصائصه ولا عن طريقته الناتجة من رأس العالم المدقق، وخواطر الأديب المتأمل.

وحين نقرأ كتب الغزالي، ورائدنا البحث عن طبيعتها وطريقة عرضها، فسنعرف أولا أنها عامرة باللمحات، ناطقة بقدرة المؤلف على الاستنباط والاستنتاج، ومدللة على طرافة

<<  <  ج:
ص:  >  >>